هي ملتهبة التهابًا لا يدرك حقيقته إلا من أوجدها،
٧ - ثم وصفها بأوصاف تخالف بها نيران الدنيا؛ ليؤكد مخالفتها لها، فقال:
١ - ﴿الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧)﴾ ويخلص حرها إلى القلوب، فيعلوها ويغشاها؛ أي: إن تلك النار تعلو أوساط القلوب وتغشاها، فإن الفؤاد وسط القلب ومتصل بالروح، يعنيك أن تلك النار تحطم العظام وتأكل اللحوم، فتدخل في أجواف أهل الشهوات، وتصل إلى صدورهم، وتستولي على أفئدتهم إلا أنها لا تحركها بالكلية؛ إذ لو احترقت لماتت أصحابها، ثم إن الله تعالى يُعيد لحومهم وعظامهم مرة أخرى، وتخصيص الفؤاد بالذكر لما أنها ألطف ما في الجسد وأشدُّ تألمًا فأدنى أذى يمسه، أو لأنه محل العقائد الزائغة والنابات الخبيثة ومنشأ الأعمال السيئة، فاطلاعها على الأفئدة التي هي خزانة الجسد ومحل ودائعه يستلزم الاطلاع على جميع الجسد بطريق الأولى.
وقد يكون (١) المراد بالاطلاع المعرفة والعلم، وكأن هذه النار تدرك ما في أفئدة الناس يوم البعث، فتميز العاصي من المطيع، والخبيث من الطيب، وتفرق بين من اجترحوا السيئات في حياتهم الأولى، ومن أحسنوا أعمالهم، يعني: أنها تعلم بمقدار ما يستحقه كل واحد منهم من العذاب، وذلك بأمارات عرَّفها الله بها، وإنا لنكل أمر ذلك إلى علَّام الغيوب، وفي وصفها بالاطلاع على الأفئدة التي أودعت باطن الإنسان في أخفى مكان منه إشارة إلى أنها إلى غيره أشد وصولًا وأكثر تغلبًا.
٢ - ٨ ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨)﴾؛ أي: أن تلك (٢) النار الموصوفة مطبقة أبوابها عليهم تأكيدًا؛ ليأسهم من الخروج وتيقنهم بحبس الأبد، من آصدت الباب وأوصدته؛ أي: أطبقته، وقد سبق بيانه في سورة البلد؛ أي: إنها مطبقة مغلقة عليهم لا يخرجون منها، ولا يستطيعون الخروج إذا شاءوا فهم ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا﴾.
٣ - ٩ ﴿في عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩)﴾ جمع عمود، كما في "القاموس"، والعمود كل مستطيل من خشب أو حديد، قاله أبو عبيدة، ومعنى كون العمد ممدودة أنها
(٢) روح البيان.