وتفصيل القصة سيأتي إن شاء الله تعالى.
ومعنى الآية: أي ألم تعلم (١) يا محمد الحال العجيبة والكيفية الهائلة الدالة على عظم قدرة الله تعالى وكمال علمه وحكمته فيما فعل بأصحاب الفيل الذين قصدوا هدم البيت الحرام، فتلك حال قد جاءت على غير ما يُعرف من الأسباب والعلل؛ إذ لم يُعهد أن يجيء طير في جهة، فيقصد قومًا دون قوم، وهم معهم في جهة واحدة، فذلك أمارة على أنه من صنع حكيم مدبر بعثه لإنفاذ مقصد معين.
وإنما عبر عن العلم بالرؤية؛ للإيماء إلى أن الخبر بهذا القصصى متواتر مستفيض، فالعلم به مساو في قوة الثبوت مع الوضوح للعلم الناشىء عن الرؤية والمشاهدة.
وخلاصة ذلك: أنك قد علمت ذلك علمًا واضحًا لا لبس فيه ولا خفاء،
٢ - ثم بيَّن الحال التي وقع عليها فعله، فقال: ﴿أَلَمْ يَجْعَلْ﴾ ربك يا محمد: ﴿كَيْدَهُمْ﴾ ومكرهم وسعيهم في تخريب الكعبة واستباحة أهلها ﴿في تَضْلِيلٍ﴾ وخيبة وخسران فيما قصدوا إليه حتى لم يصلوا إلى البيت، ولا إلى ما أرادوا بكيدهم، والهمزة (٢) فيه للاستفهام التقريري، كأنه قال: قد جعل كيدهم في تضليل، والكيد: هو إرادة المضرة بالغير؛ لأنهم أرادوا أن يكيدوا قريشًا بالقتل والسبي، ويكيدوا البيت الحرام بالتخريب والهدم، ويقال: ضلل كيده إذا جعله ضالًا ضائعًا، ونحوه قوله تعالى: ﴿وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ وضل الماء في اللبن، إذا ذهب وغاب، وقيل لامرىء القيس: الضليل؛ لأنه ضلل ملك أبيه؛ أي: ضيّعه، والمعنى (٣): قد جعل مكرهم وحيلتهم في تعطيل الكعبة عن الزوار وتخريبها في تضييعٍ وإبطالٍ بأن أهلكهم أشنع إهلاك، وجزاهم بعد إهلاكهم بمثل ما قصدوا حيث خرَّب كنيستهم.
قال في "إنسان العيون": لما أُهلك صاحب الفيل وقومه.. عزت قريش وهابتهم الناس كلهم، وقالوا: هم أهل الله؛ لأن الله معهم، ومُزقت الحبشة كل ممزق، وخُرّب ما حول تلك الكنيسة التي بناها أبرهة بصنعاء، فلم يعمرها أحد، وكثرت حولها السباع والحيات ومردة الجن، وكل من أراد أن يأخذ منها شيئًا

(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon