أصابته الجن، واستمرت كذلك إلى زمان السفاح الذي هو أول خلفاء بني العباس، فذُكر له أمرها، فبعث إليه عامله الذي باليمن فخربها، وأخذ خشبها المرصع بالذهب والآلات المفضضة التي تساوي قناطير من الذهب، فحصل له منها مال عظيم، وعفا من حينئذ رسمها، وانقطع خبرها، واندرست اثارها.
٣ - وقوله: ﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على أصحاب الفيل ﴿طَيْرًا﴾ معطوف (١) على قوله: ﴿أَلَمْ يَجْعَلْ﴾؛ لأن الهمزة فيه للاستفهام التقريري كما سبق، فيكون في معنى الإثبات، والتقدير: فجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرًا ﴿أَبَابِيلَ﴾ صفة أولى لـ ﴿طَيْرًا﴾؛ أي: طيرًا أقاطيع؛ أي: جماعات يتبع بعضها بعضًا؛ لأنها كانت أفواجًا، فوجًا بعد فوج، متتابعة، بعضها على إثر بعض، أو من هاهنا وهاهنا، جمع أَبَّالة مشددة، وحكي تخفيفه، وهي الحزمة الكبيرة من الحطب، شُبِّهت بها الجماعة من الطير في تضامها، وقيل: ﴿أَبَابِيلَ﴾: مفرد، كعباديد، ومعناه: الفِرَق من الناس الذاهبون في كل وجه، وكشماطيط، ومعناه: القطع المتفرقة، وفيه أنها لو كانت مفردات لأشكل قول النحاة أن هذا الوزن من الجمع يُمنع صرفه؛ لأنه لا يوجد في المفردات.
قال النحاس: وحقيقته أنها جماعات عظام، يقال: فلان تَوَبَّل على فلان؛ أي: تعظم عليه وتكبر، وهو مشتق من الإبل، وهو من الجمع الذي لا واحد له. اهـ، وقال بعضهم: واحدهُ إبَّوْل، مثل عِجَّول لغة في العجل، وقال بعضهم: أبيل، قال الواحدي: ولم نر أحدًا يجعل لها واحدًا، قال الفراء: لا واحد له من لفظه، وزعم الرؤاسي، وكان ثقة: أنه سُمع في واحدها: أبَّالة مشددًا وحكى الفراء أيضًا أبالة بالتخفيف.
قال سعيد بن جبير: كانت طيرًا من السماء لم ير قبلها ولا بعدها قال قتادة: هي طير سود جاءت من قبل البحر فوجًا فوجًا مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجران في رجليه وحجر في منقاره، لا يصيب شيئًا إلا هشمه، وقيل: كانت طيرًا خضرًا خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع، وقيل: كان لها خراطيم كخراطيم الفيل، وأكف كأكف الكلاب، وأنيابها جاءت من جهة البحر ليست نجدية ولا