حتى يموتوا، وكانوا على ذلك إلى أن جاء هاشم بن عبد مناف وكان سيد قومه، فقام خطيبًا في قريش، فقال: إنكم أحدثتم حديثًا تقلون فيه وتذلون، وأنتم أهل حرم الله وأشرف ولد آدم، والناس لكم تبع، قالوا: نحن تبع لك، فليس عليك منا خلاف، فجمع كل بني أب على الرحلتين في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام؛ لأن بلاد اليمن حامية حارة، وبلاد الشام مرتفعة باردة؛ ليتجروا فيما بدا لهم من التجارات، فما ربح الغني قسم بينه وبين فقرائهم حتى كان فقيرهم كغنيهم، فجاء الإِسلام وهم على ذلك، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالًا ولا أعز من قريش، وكان هاشم أول من حمل السمراء من الشام، وقيل تقديره: اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة رب هذا البيت، وذلك لأنهم كانوا يزدادون كل يوم غيًا وانغماسًا في عبادة الأوثان، والله تعالى يؤلف شملهم ويدفع الآفات عنهم، وينظم أسباب معايشهم، وذلك لا شك أنه في غاية التعجب من عظيم حلم الله وكرمه، وتكون ﴿اللام﴾ للتعجب، أو بمعنى إلى، وقرأ الجمهور (١): ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (١)﴾ بالياء مهموزًا مصدر آلف الرباعي، ومنه قول الشاعر:
الْمُنْعِمِيْنَ إِذَا النُّجُوْمُ تَغَيَّرَتْ | وَالظَّاعِنِيْنَ لِرِحْلَةِ الإِيْلَافِ |
زَعَمْتُمْ أَنَّ إِخْوَتَكُمْ قُرَيْشٌ | لَهُمْ إِلْفٌ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَافُ |
ومن غريب ما اتفق في هذين الحرفين (٢): أن القراء اختلفوا في سقوط الياء وثبوتها في الأول في اتفاق المصاحف على إثباتها خطًا، واتفقوا على إثبات الياء في الثاني مع اتفاق المصاحف على سقوطها منه خطًا؛ فهو أدل دليل على أن القراء
(٢) الفتوحات.