٤ - ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُمْ﴾ بسبب تين الرحلتين اللَّتين تمكنوا منهما بواسطة كونهم من جيران هذا البيت وسكان حرمه، وقيل: بسبب دعوة إبراهيم عليه السلام حين قال: ﴿يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا﴾ ﴿مِنْ جُوعٍ﴾؛ أي: من بعد جوع شديد كانوا فيه قبلهما بحمل المِيرة إليهم من البلاد النائية في البر والبحر بسبب كونهم جيران البيت، وكان الجوع يصيبهم لعدم زرع بمكة إلى أن جمعهم عمرو العلي وهو هاشم المذكور على الرحلتين، قال أبو حيان: ﴿من﴾ هاهنا للتعليل مع تقدير مضاف؛ أي: أنعم عليهم وأطعمهم لأجل إزالة الجوع عنهم الحاصلة بالرحلتين؛ أي: بالتجارة فيهما وبازالة الخوف عنهم، وقال سعدي المفتي: الجوع لا يجامع مع الإطعام، والظاهر أنها للبدلية، يقول الفقير: الظاهر أن مآل المعنى: نجاتهم من الجوع بسبب الإطعام والترزيق.
﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ عظيم لا يقادر قدره، وهو خوف أصحاب الفيل، أو خوف التخطف في بلدهم ومسايرهم، وقال صاحب "الكشاف": الفرق بين عن ومن أن عن يقتضي حصول جوع قد زال بالإطعام، ومن يقتضي المنع من لحاق الجوع، ولذلك اختارها هنا.
والمعنى (١): أطعمهم فلم يلحقهم جوع، وآمنهم فلم يلحقهم خوف، فتكون ﴿مِنْ﴾ لابتداء الغاية.
والخلاصه: أطعمهم في بدء جوعهم قبل لحاقه إياهم وآمنهم في بدء خوفهم قبل اللحاق، وقيل في معنى الآية: إنهم لما كذبوا محمدًا - ﷺ - دعا عليهم، فقال: اللهم اجعلها سنينًا كسني يوسف، فاشتد عليهم القحط، وأصابهم الجهد والجوع، فقالوا: يا محمد ادع الله لنا، فإنا مؤمنون، فدعا رسول الله - ﷺ - وأخصبت البلاد، وأخصب أهل مكة بدل القحط والجهد، فذلك قوله تعالى: ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤)﴾ لمكان الحرم، وكونهم من أهل مكة، حتى لا يتعرض لهم أحد، قال ابن زيد: كان العرب يغير بعضها على بعض، ويسبي بعضها بعضًا، فآمن قريشًا لمكان الحرم، وقيل: آمنهم من خوف الجذام، فلا ترى بمكة مجذومًا،