أحدهما: أنها بصرية، فتتعدى لمفعول واحد وهو الموصول، كأنه قال: أبصرت المكذب بالدين.
والثاني: أنها بمعنى أخبرني، فتتعدى لاثنين، فقدره الحوفي: أليس مستحقًا العذاب، وقدره الزمخشري: من هو، ويدل لذلك قراءة عبد الله: أريتك بكاف الخطاب، و ﴿الكاف﴾ لا تلحق البصرية اهـ.
وقرأ الجمهور (١): ﴿أَرَأَيْتَ﴾ بإثبات الهمزة الثانية، وقرأ الكسائي بإسقاطها، قال الزجاج: لا يقال في ﴿أَرَأَيْتَ﴾ ريت، ولكن ألف الاستفهام سهلت الهمزة ألفًا.
والمعنى: أي هل عرفت ذلك الذي يكذب بما وراء إِدراكه من الأمور الإلهية والشؤون الغيبية، بعد أن ظهر له بالدليل القاطع والبرهان الساطع،
٢ - فإن كنت لا تعرفه بذاته فاعرفه بصفاته، وهي:
١ - ﴿فَذَلِكَ﴾ المكذب بالدين هو: ﴿الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾؛ أي: يدفع اليتيم دفعًا عنيفًا، ويزجره زجرًا قبيحًا إذا جاء يطلب منه حاجة احتقارًا لشأنه وتكبرًا عليه، و ﴿الفاء﴾ واقعة في جواب شرط مقدر، و ﴿ذلك﴾: مبتدأ، والموصول خبره، والجملة الاسمية جواب لذلك الشرط المقدر، والتقدير: إن طلبت معرفة ذلك المكذب بصفاته، فهو الذي يدع اليتيم، ويزجره زجرًا عنيفًا إذا طلب منه حاجةً وهو أبو جهل، كان وصيًا ليتيم، فجاءه عريانًا يسأله من مال نفسه، فدفعه دفعًا شنيعًا، فأيس الصبي، فقال له أكابر قريش: قل لمحمد يشفع لك، وكان غرضهم الاستهزاء به، وهو - ﷺ - كان لا يرد محتاجًا، فذهب معه إلى أبي جهل، فقام أبو جهل وبذل المال لليتيم، فعيَّره قريش وقالوا: أصبوت، فقال: لا والله ما صبوت، ولكن رأيت عن يمينه وعن يساره حربة خفت إن لم أجبه يطعنها فيَّ، فـ ﴿الَّذِي﴾ للعهد، ويحتمل الجنس، فيكون عامًا لكل من كان مكذبًا بالدين، ومن شأنه أذية الضعيف ودفعه بعنف وخشونة؛ لاستيلاء النفس السبعية عليه، ويجوز أن تكون ﴿الفاء﴾ عاطفة على الذي يكذِّب إما عطف ذات على ذات، أو صفة على صفة، ويكون اسم الإشارة في

(١) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon