قال الواحدي: نزلت في المنافقين الذين لا يرجون بصلاتهم ثوابًا إن صَلَّوا، ولا يخافون عليها عقابًا إن تركوا، فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها، وإذا كانوا مع المؤمنين صَلَّوا رياء، وإذا لم يكونوا معهم لم يصلوا، وهو معنى قوله: ﴿الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦)﴾؛ أي: يراؤون الناس بصلاتهم إن صلَّوا، أو يراؤون الناس بكل ما عملوه من أعمال البر؛ ليثنوا عليهم، قال النخعي: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥)﴾ هو في إذا سجد قال: برأسه هكذا وهكذا ملتفتًا، وقال قطرب: هو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله، وقرأ ابن مسعود: ﴿الذين هم عن صلاتهم لا هون﴾.
فإن قلت (١): هل صدر عن النبي - ﷺ - سهو أم لا؟.
قلت: نعم، كما قال: "شغلونا عن صلاة العصر"؛ - أي: يوم الخندق - "ملأ الله قلوبهم نارًا" وأيضًا سها عن صلاة الفجر ليلة التعريس، وأيضًا صلى الظهر ركعتين، ثم سلم، فقال له أبو بكر - رضي الله عنه -: صليت ركعتين، فقام وأضاف إليهما ركعتين، وكذلك في قصة ذي اليدين، لكن سهوه - ﷺ - فيما ذكر، وفي غيره ليس كسهو سائر الناس، وهو في الاستغراق والإنجذاب دائمًا، وقد قال: تنام عيني ولا ينام قلبي، وأيضًا سهوه لحكمة تشريع سجود السهو وأحكامه، فعلى العاقل أن لا تفوته الصلاة التي هي من باب المعراج والمناجاة، ولا يعبث فيها باللحية والثياب، ولا يكثر التثاؤب والالتفات ونحوهما ومن المصلين من لا يدري عن كم انصرف، ولا ما قرأ من السورة.
وخلاصة معنى قوله: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥)﴾؛ أي: فعذاب (٢) شديد لمن يؤدي الصلاة بجسمه ولسانه من غير أن يكون لها أثر في نفسه، ومن غير أن تؤتى ثمرتها التي شُرعت لأجلها؛ لأن قلبه غافل عما يقوله اللسان وتفعله الجوارح، فيركع وهو لاه عن ركوعه، ويسجد وهو لاه عن سجوده، ويكبر وهو لا يعني ما يقول، وإنما هي حركات اعتادها، وكلمات حفظها، ولا تُدرك نفسه معناها، ولا تصل إلى معرفة ثمرتها.
٦ - ﴿الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦)﴾؛ أي: يُرون الناس أعمالهم؛ ليروهم الثناء عليها؛

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon