آخر وهو ظهوره، وانتشاره الليل كله، وقد يكون المراد بـ ﴿تَلَاهَا﴾؛ أي: تبعها في كل وقت؛ لأن نوره مستمد من نور الشمس، فهو لذلك يتبعها، فهو لها بمنزلة الخليفة، وقد قال بهذا الفراء قديمًا، وأثبته علماء الفلك حديثًا.
٣ - ﴿و﴾ أقسمت بـ ﴿النَّهَارِ﴾ وهو نور الشمس الذي ينسخ ظل الأرض يمحو ظلمة الليل ﴿إِذَا جَلَّاهَا﴾؛ أي: إذا جلى النهار الشمس، وذلك أن الشمس عند انبساط النهار تتجلى تمام الانجلاء، فكأنه جلاها مع أنها التي تبسطه.
يعني (١): لما كان انتشار الأثر، وهو زمان ارتفاع النهار زمانًا لانجلاء الشمس، وكان الجلاء واقعًا فيه.. أسند فعل التجلية إليه إسنادًا مجازيًا مثل نهاره صائم، وقيل: الضمير عائد إلى الظلمة وإن لم يجر لها ذكر؛ لأن المعنى معروف؛ أي: إذا جلى ظلمة الليل وأزالها وكشفها بضوئه، قال الفراء كما تقول: أصبحت باردة؛ أي: أصبحت غداتنا باردة، وقيل: جلّى ما في الأرض من الحيوانات وغيرها بعد أن كانت مستترة في الليل، وقيل: جلى الدنيا، وقيل: جلى الأرض، والأول أولى.
والمعنى: أي وأقسمت بالنهار إذا جلى الشمس وأظهرها، وأتم وضوحها؛ إذ كلما كان النهار أجلى ظهورًا.. كانت الشمس أكمل وضوحًا. وأقسم سبحانه بهذه المخلوقات للإشارة إلى تعظيم أمر الضوء، وإعظام أمر النعمة فيه، وفيه لفت لأذهاننا إلى أنه آية من ايات ربنا الكبرى ونعمة من نعمه العظمى، وفي قوله: ﴿جَلَّاهَا﴾ بيان للحال التي يكشف فيها النهار تلك الحكمة البالغة والآية الباهرة،
٤ - وبعد أن أقسم بالضياء في أطوار مختلفة أقسم بالليل في حال واحدة، فقال: ﴿و﴾ أقسمت بـ ﴿اللَّيْلِ﴾ وهو ظل الأرض الحائلة بين الشمس وبين ما وقع عليه ظلمة الليل ﴿إِذَا يَغْشَاهَا﴾؛ أي: يغشى الليل الشمس، فيغطي ضوءها فتغيب، وتُظلم الآفاق، ولما كان احتجاب الشمس بحيلولة الأرض بيننا وبينها واقعًا في الليل.. صار الليل كأنه حجبها وغطاها، فاسند التغطية والتغشية إلى الليل لذلك، وقيل المعنى: إذا يغشى الليل الآفاق، وقيل: يغشى الأرض وإن لم يجر لهما ذكر؛ لأن ذلك معروف، والأول أولى، ولعل (٢) اختيار صيغة المضارع هنا على الماضي؛

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon