للدلالة على أنه لا يجري عليه تعالى زمان، فالمستقبل عنده كالماضي مع مراعاة الفواصل، ولم يجىء غشاها من التغشية؛ لأنه يتعدى إلى المفعولين، وقال الشيخ الطنطاوي: وفي قوله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (٤)﴾ مجاز عقلي؛ لأن الذي يغشى إنما هي الأرض، فأسند ذلك لليل الذي هو من آثار ذلك، ففي هذا بيانان: بيان أن ضوء القمر من الشمس، وأن الليل لم يحدث من الشمس؛ لأنها دائمًا مشرقة، وإنما حدث من دوران الأرض، فانظر كيف جعل القمر تاليًا والأرض سائرة حتى حدث الليل. انتهى. وحيث كانت الواوات العاطفة نواب الواو الأولى القسمية القائمة مقام الفعل، والباء سادَّة مسدَّها معًا في قولك: أقسم بالله، حق أن يعملن عمل الفعل، والجار جميعًا، كما ضرب زيد عمرًا وبكر خالدًا، فترفع بالواو وتنصب بها، لقيامها مقام ضرب الذي هو عاملهما، فاندفع ما يورد هاهنا من تلك الواو، إن كانت عاطفة يلزم العطف على معمولي عاملين مختلفين، وإن كانت قسمية يلزم تعدد القسم مع وحدة الجواب، وحاصل الدفع اختيار الشق الأول، ومنع لزوم المحذور.
والمعنى (١): أي وأقسم بالليل إذا يغشى الشمس، فيزيل ضوءها في الليالي الحالكة التي لا أثر لضوء الشمس فيها، لا مباشرة كما في النهار، ولا بالواسطة كضوء القمر المستفاد منها، وهي قليلة، فإنها ليلة أو ليلتان أو بعض ليال في الشهر.
وفي هذا: إيماء إلى أن الليل يطرأ على هذا الكوكب العظيم، فيُذهب ضوءها، ويحيل نور العالم ظلامًا، فهو؛ أي: هذا الكوكب على جليل نفعه، وعظيم فائدته لا يُتخذ إلهًا؛ لأن الإله لا يحول ولا يزول، ولا يعتريه تغير ولا أُفول، وفيه ردع وتأنيب للمشركين على تأليهه وعبادته،
٥ - وبعد أن ذكر الأوصاف الدالة على عظمة هذه الأجرام.. أردفه بذكر صفات تدل على حدوثها، فقال: ﴿و﴾ أقسمت بـ ﴿السَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ أي: ومن بناها وخلقها على غاية العظم والعلو، وهو الله سبحانه وتعالى، فـ ﴿ما﴾ موصول اسمي، ورجح (٢) هذا القول ابن جرير، وإيثار ﴿ما﴾ على مَن لإِرادة الوصفية تعجبًا؛ لأن ما يسأل بها عن صفة من
(٢) الشوكاني.