طوله ما بين عمان إلى أيلة" وفي رواية: "إن حوضي لأبعد من أيلة إلى عدن"، فهذا الاختلاف في هذه الروايات في قدر الحوض ليس موجبًا للاضطراب فيها؛ لأنه لم يأت في حديث واحد، بل في أحاديث مختلفة الرواة عن جماعات من الصحابة سمعوها من النبي - ﷺ - في مواطن مختلفة، ضربها النبي - ﷺ - مثلًا لبعد أقطار الحوض وسِعَته، وقرَّب ذلك على أفهام السامعين، لبعد ما بين هذه البلاد المذكورة لا على القدر الموضوع للتحديد، بل لإعلام السامعين عظم بُعد المسافة وسعة الحوض بقدر ما يعرفه كل من السامعين، وليس في ذكر القليل من هذه المسافة منع من الكثير، فإن الكثير ثابت على ظاهره، وصحت الرواية به، والقليل داخل فيه، فلا معارضة ومنافاة بينهما، وكذلك القول في آنية الحوض من أن العدد المذكور في الأحاديث على ظاهره، وأنها أكثر عددًا من نجوم السماء، ولا مانع يمنع من ذلك، إذ قد وردت الأحاديث الصحيحة الثابتة بذلك وقوله في الأحاديث" "كما بين جرباء وأذرح" جرباء قرية الشام، وأذرح مدينة في طرف الشام قريبة من الشوبك وأما عمان بليدة بالبلقاء من أرض الشام، وأيلة مدينة معروفة في طرف الشام على ساحل البحر متوسطة بين دمشق ومصر بينها وبين المدينة، نحو خمس عشرة مرحلة، وهي: آخر الحجاز وأول الشام، وأما صنعاء فهي قاعدة اليمن وأكبر مدنه، وإنما قيدها باليمن في الحديث؛ لأن بدمشق موضعًا يُعرف بصنعاء دمشق.
والمعنى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١)﴾؛ أي (١): إنا أعطيناك من المواهب الشيء الكثير في يعجز عن بلوغه العد، ومنحناك من الفضائل ما لا سبيل للوصول إلى حقيقته، وإن استخف به أعداؤك واستقلوه، فإنما ذلك من فساد عقولهم وضعف إدراكهم؛ أي (٢): إنا بجلالنا وعظمة قدرتنا، فالإتيان بـ ﴿إن﴾ ونون العظمة؛ للتأكيد ولزيادة تشريفه - ﷺ -، والمعنى: قضينا به لك، وخصصناك به، وأنجزناه لك في علمنا، وتقديرنا الأزلي، وإن لم تستول عليه، والتصرف فيه إلا في القيامة، فالعطاء ناجز، والتمكن والاستيلاء عليه مستقبل.
إن قلت: إنه عبر هنا بالماضي، وفي الضحى بالمضارع، حيث قال: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ﴾، فكيف الجمع بينهما؟.
(٢) الصاوي.