﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥)﴾؛ أي: ولا أنا بعابد عبادتكم، ولا أنتم عابدون عبادتي، قاله أبو مسلم الأصفهاني كما مر.
وخلاصة ما سلف: الاختلاف التام في المعبود والاختلاف البين في العبادة، فلا معبودنا واحد ولا عبادتنا واحدة؛ لأن معبودي منزه عن الند والنظير، متعال عن الظهور في شخص معين وعن المحاباة لشعب أو واحد بعينه، والذي تعبدونه أنتم على خلاف ذلك، كما أن عبادتي خالصة لله وحده، وعبادتكم مشوبة بالشرك مصحوبة بالغفلة عن الله تعالى، فلا تسمى على الحقيقة عبادة،
٦ - ثم هددهم وتوعدهم، فقال: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ﴾، وهذه الجملة تقرير لقوله تعالى: ﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢)﴾، وقوله: ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤)﴾، وأما قوله: ﴿وَلِيَ﴾ - بفتح ياء المتكلم - ﴿دِينِ﴾ - بحذف الياء إذ أصله: ديني - فتقرير لقوله: ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)﴾.
والمعنى (١): إن دينكم الذي هو الإشراك مقصور على الحصول لكم، لا يتجاوزه إلى الحصول لي أيضًا، كما تطمعون، فلا تعلِّقوا به أمانيكم الفارغة، فإن ذلك من المحال، وإن ديني الذي هو التوحيد مقصور على الحصول لي لا يتجاوزه إلى الحصول لكم أيضًا؛ لأنكم علقتموه بالمَحال الذي هو عبادتي لآلهتكم، أو استلامي إياها؛ ولأن ما وعدتموه عين الإشراك، وحيث كان مبنى قولهم: تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، على شركة الفريقين في كلتا العبادتين.. كان القصر المستفاد من تقديم المسند قصر إفراد حتمًا؛ أي: إن رضيتم بدينكم فقد رضيت بديني، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾، وقيل: المعنى: لكم جزاؤكم على أعمالكم، ولي جزائي على عملي؛ لأن الدين هو الجزاء، وقال أبو الليث: وفي هذه الآية دليل على أن الرجل إذا رأى منكرًا أو سمع قولًا منكرًا، فأنكره ولم يقبلوا منه.
لا يجب عليه أكثر من ذلك، وإنما عليه مذهبه وطريقه، وتركهم على مذهبهم وطريقهم اهـ.
وهذه الآية: منسوخة بآية السيف كما مر، وقيل: ليست بمنسوخة؛ لأنها أخبار، والأخبار لا يدخلها النسخ.