والكواكب كلها متحركات، والشمس والقمر والنجوم السيارة كلها في حركات، لو اطلع عليها.. لخر صعقًا ولدهش منها، هذا فضلًا عما في تلك العوالم من المزعجات والمهلكات التي تكون فيها على الدوام، فيا ليت شعري أيُّ بانٍ يقدر على ذلك، فيرى الإنسان أن المتحركات سواكن، وأن المخاوف أمان، وأن هذا كله إنما هو ليكون له سقفًا يحميه ونعمًا عليه ترضيه، وكأنها ليست مقصودة إلا له ولا هي مبنية إلا لأجله، فيا عجبًا لمتحرك ساكن، وعظيم صغير، وقريب بعيد، إن العجب سيأخذنا كل مأخذ، ويدهشنا أن نكون في عالم بديع الإتقان عجيب البنيان حسن الهندام، والحق أحق أن هذه الدنيا بديعة الحسن، ظريفة الصنع، بهيجة المنظر، سارة للمفكرين، كما أنها سجن الغافلين.
كيف نجعل الكواكب التي عدت بمئات الملايين، كأنها درر مرصعة في سقفنا، أليس من العجب أن تكون تلك الكواكب لمآرب في تلك السباسب، ولبديع الصنع وحسن الإتقان، وجمال الوضع، تتراءى لنا أنها صُنعت لأجلنا، وليزين بها سقفنا، وكيف دُبرت هذه الحكمة، فسبحانه من حكيم عليم، قدير على كل شيء، وإليه تُرجعون. انتهى.
٧ - ثم أقسم سبحانه بعدما ذكر بالنفس الإنسانية تنبيهًا على ما لها من شرف ومكانة في هذا الوجود، وفي هذه النفس الإنسانية من الأسرار والعجائب والغرائب ما يندهش له ذوو العقول النيرة الكبيرة، وهي سر من أسرار الخلق العظيمة، فقال: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧)﴾؛ أي: وأقسمت بنفس إنسانية ومن سواها وأنشأها وأبدعها، وركب فيها قواها الباطنة والظاهرة، لتكون مستعدة لكمالاتها، وحدد لكل منها وظيفة تؤديها، وألف بها الجسم الذي تستخدمه من أعضاء قابلة لاستعمال تلك القوى، والتنكير (١) فيها؛ للتفخيم على أن المراد نفس ادم عليه السلام، أو للتكثير وهو الأنسب للجواب، وقال عطاء: يريد جميع ما خُلق من الجن والإنس، والكلام في ﴿ما﴾ هذه كما تقدم، ومعنى ﴿سَوَّاهَا﴾ خلقها وأنشأها وسوى أعضاءها.
وذكر سبحانه في تعريف ذات الله تعالى السماء والأرض والنفس (٢)؛ لأن الاستدلال على الغائب لا يمكن إلا بالشاهد، والشاهد ليس إلا العالم الجسماني،
(٢) روح البيان.