وهو إما علوي بسيط كالسماء، وإما سفلي كالأرض، وإما مركب، وهو أقسام: أشرفها ذوات الأنفس، وقد استدل بعطف ما بعدها على ما قبله على عدم جواز تقدير المضاف فيه مثل ورب الشمس، وكذا في غيره إذ المقدر في المعطوف عليه يقدر في المعطوف، فيكون التقدير: ورب ما بناها ورب ما طحاها ورب ما سواها، وبطلانه ظاهر، فإن الظاهر أن تكون في مواضعها موصولة فاعرف.
٨ - ثم بيّن أثر هذه التسوية، فقال: ﴿فَأَلْهَمَهَا﴾؛ أي: فألهم كل نفس وعرفها ﴿فُجُورَهَا﴾؛ أي: طريق فجورها وشرها؛ لتجتنبها ولا تعمل به، والفجور: شق ستر الديانة، وقدَّمه على التقوى؛ لمراعاة الفواصل، أو لشدة الاهتمام بنفسه؛ لأنه إذا انتفى الفجور.. وجدت التقوى، فقدم ما هُمْ بشأنه أَعْنَى: ﴿وَتَقْوَاهَا﴾؛ أي: وأعلم كل نفس طريق تقواها؛ لتعمل به. و ﴿الفاء﴾ في قوله: ﴿فَأَلْهَمَهَا﴾ إن كانت لسببية التسوية، فالأمر ظاهر، وإن كانت لتعقيبها، فلعل المراد منها إتمام ما يتوقف عليه الإلهام من القوى الظاهرة والباطنة، والإلهام: إلقاء الشيء في الروع، إما من جهة الله تعالى، أو من جهة الملأ الأعلى، وأصل إلهام الشيء: ابتلاعه.
والمعنى: أفهم النفس الفجور والتقوى، وعرّفها حالهما من الحسن والقبح، وما يؤدي إليه كل منهما، ومكَّنها من اختيار أيهما شاءت، قال بعضهم: الإلهام لا يكون إلا في الخير، فلا يقال في الشر: ألهمني الله كذا، وأما قوله تعالى: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨)﴾ فالمراد فجورها؛ لتجتنبه لا لتعمل به، وتقواها لتعمل به؛ إذ ليس في كلام الله تناقض أبدًا، فالإلهام في قسم الفجور إلهام إعلام، لا إلهام عمل، فإن الله سبحانه لا يأمر بالفحشاء، وكما لا يأمر بالفحشاء لا يلهم بها، فإنه لو ألهم بها ما قامت الحجة لله على العبد، وهذه الآية مثل قوله: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (١٠)﴾ أي: بينا له الطريقين وقال بعضهم: لم ينسب سبحانه إلى النفس خاطر المباح ولا إلهامه فيها، وسبب ذلك أن المباح لها ذاتي، فبنفس ما خلق عينها ظهر المباح فهو من صفاتها النفسية التي لا تُعقل النفس إلا بها، فخاطر المباح نعت خاص كالضحك للإنسان.
وفي "التأويلات النجمية": تدل الآية على كون النفوس كلها حقيقة واحدة متحدة تختلف باختلاف توارد الأحوال والأسماء، فإن حقيقة النفس المطلقة من غير اعتبار حكم معها إذا توجهت إلى الله تعالى توجهًا كليًا.. سميت مطمئنة، وإذا