توجهت إلى الطبيعة توجهًا كليًا.. سميت أَمَّارة، وإذا توجهت تارة إلى الحق بالتقوى وتارة أخرى إلى الطبيعة البشرية بالفجور.. سميت لوامة. انتهى.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - كان رسول الله - ﷺ - يقول عند هذه الآية: "اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها". قال محمد بن كعب: إذا أراد الله بعبده خيرًا.. ألهمه الخير فعمل به، وإذا أراد به الشر.. ألهمه الشر فعمل به، وقال ابن زيد: جعل فيها ذلك بتوفيقه إياها للتقوى، وخذلانه إياها للفجور، واختار هذا القول الزجاج، وحمل الإلهام على التوفيق والخذلان.
قال الواحدي: وهذا هو الوجه لتفسير الإلهام، فإن التبيين والتعليم والتعريف دون الإلهام، والإلهام: أن يوقع في قلبه ويجعل فيه، وإذا أوقع الله سبحانه في قلب عبده شيئًا.. ألزمه ذلك الشيء، قال: وهذا صريح في أن الله خلق في المؤمن تقواه، وفي الكافر خذلانه.
وخلاصة ذلك (١): أي فألهم كل نفس الفجور والتقوى، وعرّفها حالهما بحيث يتميز الرشد من الغي، ويتبين لها الهدى من الضلال، وجعل ذلك معروفًا، فالأولى البصائر،
٩ - وبعد أن ذكر أنه ألهم النفوس معرفة الخير والشر.. ذكر ما تلقاه جزاءً على كل منهما، فقال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ﴾؛ أي: ربح وفاز وظفر ﴿مَنْ زَكَّاهَا﴾؛ أي: من زكى نفسه ونماها، وطهرها حتى بلغت غاية ما هي مستعدة له من الكمال العقلي والعملي حتى تثمر بذلك الثمر الطيب لها ولمن حولها، وهذا جواب القسم، وحذف (٢) اللام لطول الكلام، وقال الزجاج: طول الكلام صار عوضًا عن اللام كما مر، وإنما تركه في "الكشاف" وغيره؛ لأنه يوجب الحذف، والحذف لا يجب مع الطول، ولم يجعل ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ﴾ جوابًا؛ لأن إقسام الله إنما يؤكد به الوعد أو الظفر، وإدراك البغية، وهو إما دنيوي كالظفر بالسعادات التي تطيب بها الحياة الدنيا من الغنى والعز والبقاء مع الصحة ونحوها، أو أخروي وهو بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل، ولذلك قيل: لا عيش إلا عيش الآخرة، وأصل الزكاة: الزيادة والنمو، كما سيأتي بسطه في مبحث اللغة،

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon