كثير الإيذاء والبغضة لرسول الله - ﷺ - والازدراء به والتنقيص له ولدينه القويم، وكُني بأبي لهب، لإشراق وجنتيه وتلهبهما ووضاءَتهما، وإلا فليس له ابن يسمى باللهب، وخص اليدين بالتباب؛ لأن أكثر العمل يكون بهما، وقيل: المراد باليدين نفسه، وقد يعبر باليد عن النفس، كما في قوله: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ﴾؛ أي: نفسك، والعرب تعبر كثيرًا ببعض الشيء عن كله، كقولهم: أصابته يدا المنايا، كما في قول الشاعر:
لَمَّا أَكَبَّتْ يَدُ الرَّزَايَا | عَلَيْهِ نَادَى أَلَا مُجِيْرُ |
وذكر في "التأويلات الماتريدية" أنه كان كثير الإحسان إلى رسول الله - ﷺ -، وكان يقول: إن كان الأمر لمحمد، فيكون لي عنده يد، وإن كان لقريش فلي عندها لد، فأخبر سبحانه أنها خسرت يده التي كانت عند محمد - ﷺ - بعناده وتكذيبه له، ويده التي عند قريش أيضًا لخسران قريش، وهلاكهم في يد محمد - ﷺ -.
وهذه الجملة دعاء عليه بهلاك نفسه وتبابه عن كل خير، ولما كانت اليد هي آلة العمل والبطش، فإذا هلكت وانقطعت وخسرت كان الشخص كأنه معدوم هالك أسند الهلاك إليها، فخسرانها كناية عن خسران الشخص نفسه، وهلاكها كناية عن هلاكه، فإذا دُعي عليه بخسران يديه فقد دُعي عليه بخسران نفسه، فكأنه قال: تب وخسر وهلك أبو لهب وضل عمله وسعيه، ولذلك قال بعد الجملة الدعائية: ﴿وَتَبَّ﴾ فـ ﴿الواو﴾ فيه للاستئناف؛ أي: وقد تب أبو لهب، وتحقق ذلك التباب الذي دُعي به عليه، وحصل، قال الفراء: الأول دعاء عليه بالتباب، والثاني: إخبار عن تحقق ذلك الدعاء وحصوله، فكأنه قال: أهلكه الله سبحانه وتعالى، وقد أهلك فعلًا، كقولهم: أهلك الله فلانًا وقد هلك، والمعنى: أنه قد وقع ما دعا به عليه،