كما قال أبو حيان: والظاهر أن الأول دعاء، والثاني إخبار بحصول ذلك، كما قال الشاعر:

جَزَانِيْ جَزَاهُ اللهُ شَرَّ جَزَائِهِ جَزَاءَ الْكِلَابِ الْعَاوِيَاتِ وَقَدْ فَعَلْ
ويؤيده قراءة ابن مسعود: ﴿وقد تب﴾ فإن كلمة قد لا تدخل على الدعاء، وقيل: كلاهما إخبار، أراد بالأول هلاك عمله، وبالثاني هلاك نفسه، وقيل: كلاهما دعاء عليه، ويكون في هذا شبه مجيء العام بعد الخاص، وإن كانت حقيقة اليدين غير مرادة.
والمراد هنا (١): بيان استحقاقه، لأن يُدعى عليه بالهلاك، فإن حقيقة الدعاء شأن العاجز، والله منزه عن ذلك، وإنما ذكره سبحانه وتعالى بكنيته، مع أن التكنية من باب التكرمة، وهو لا يستحقها؛ لاشتهاره بكنيته، فليست للتكريم، أو لكراهة ذكر اسمه القبيح؛ إذ فيه الإضافة إلى الصنم؛ لأن اسمه عبد العزى، والعزى من أسماء الصنم، أو للتعريض بكونه جهنميًا؛ لأنه سيصلى نارًا ذات لهب، يعني: أن أبا لهب باعتبار معناه الإضافي يصلح أن يكون كناية عن حاله، وهي كونه جهنميًا؛ لأن معناه باعتبار إضافته مُلابس اللهب، كما أن معنى أبو الخير وأخو الحرب بذلك الاعتبار مُلابس الخير، أو الحرب واللهب الحقيقي لهب جهنم، وهذا المعنى يلزمه أنه جهنمي، ففيه انتقال من الملزوم إلى اللازم، فهي كنية تفيد الذم، فاندفع ما يقال هذا يخالف قولهم، ولا يكنى كافر وفاسق ومبتدع إلا لخوف فتنة أو تعريف؛ لأن ذلك خاص بالكنية التي تفيد المدح، لا التي تفيد الذم، ولم يشتهر بها صاحبها، أو لأن الاسم أشرف من الكنية، فعدل إلى الأنقص، ولذلك ذكر الله تعالى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام باسمائهم، ولم يكنِ أحدًا منهم اهـ من "البحر".
قال في "الإتقان": ليس في القرآن من الكنى غير أبي لهب، ولم يذكر اسمه وهو عبد العزى؛ أي: الصنم؛ لأنه حرام شرعًا. انتهى.
وفيه أن الحرام وضع ذلك لا استعماله، وفي كلام بعضهم: ما يفيد أن الاستعمال حرام أيضًا إلا أن يشتهر بذلك، كما في الأوصاف المنقِّصة كالأعمش
(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon