والأعرج. وكان بعد نزول هذه السورة لا يشك المؤمن أنه من أهل النار بخلاف غيره، ولم يقل في هذه السورة: قل تبت إلخ؛ لئلا يكون مشافهًا؛ لعمه بالشتم والتغليظ، وان شتمه عمه؛ لأن للعم حرمة كحرمة الأب؛ لأنه مبعوث رحمة للعالمين، وله خلق عظيم، فأجاب الله عنه، وقرأ الجمهور (١): ﴿لَهَبٍ﴾ بفتح اللام والهاء، وقرأ مجاهد وابن كثير وابن محيصن بإسكان الهاء، وقال الزمخشري: وهذا من تغيير الأعلام، كقولهم: شُمْس بن مالك بالضم. انتهى، يعني: سكون الهاء في ﴿لَهَبٍ﴾ وضم الشين في شمس يعني في قول الشاعر:
وَإِنِّي لَمُهْدٍ مِنْ ثَنَائِيْ فَقَاصِدٌ | بِهِ لابْنِ عَمِّيْ الصِّدْقِ شُمْسِ بْنِ مَالِكِ |
والحاصل: أن الكنية بمنزلة العلم، والأعلام لا تتغير في شيء من الأحوال، وكان لبعض أمراء مكة ابنان: أحدهما عبدِ الله بالجر، والآخر عبدَ الله بالفتح.
قال العلماء: وفي هذه السورة معجزة ظاهرة، ودليل واضح على النبوة الصادقة لرسول الله - ﷺ - وصدق هذا الكتاب الكريم الذي جاء به من عند ربه، فإنه سبحانه وتعالى قد أخبر عن أبي لهب وزوجته أم جميل بالشقاء وعدم الإيمان، وقد تحقق ذلك منهما، ولم يقيض الله لهما أن يؤمنا كلاهما ولا واحد منهما لا باطنًا ولا ظاهرًا، على بعد الزمان والمسافة بين نزول هذه السورة وانتهاء عصر النبوة الأعز الأيمن، فكانت من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة، وروى الإِمام أحمد - رحمه الله تعالى - عن رجل يقال له: ربيعة بن عباد، وكان جاهليًا
(١) البحر المحيط.