فأسلم قال: رأيت رسول الله - ﷺ - في الجاهلية في سوق ذي المجاز، وهو يقول: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، والناس مجتمعون إليه، ووراءه رجل وضيىء الوجه، أحول ذو غديرتين يقول: إنه صابىء كاذب يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه، فقالوا: هذا عمه أبو لهب.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول: إني لمع أبي رجل شاب، انظر إلى رسول الله - ﷺ - يتتبع القبائل، ووراءه رجل أحول وضيىء الوجه، ذو جمة، يقف رسول الله - ﷺ - على القبائل، فيقول: يا بني فلان إني رسول الله إليكم، آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئًا، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به، وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه: يا بني فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن آفيش إلى ما جاء به من البدعة والضلال، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه، فقلت لأبي: من هذا؟ قال: عمه أبو لهب.
وهكذا كان يقف هذا العم الخائب العائب لدين الله موقف الخصم المعاند الجاحد، فاستحق غضب الله ومقته وعذابه، وجعله الله عبرة ومثلًا للمخالفين إلى يوم الدين، ولم تنفعه قرابته القريبة؛ إذ لم يؤمن بهذه الرسالة الخالدة الحبيبة، واستحق أن يقال في: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١)﴾ (١) ومن ذلك تعلم أن أبا لهب كان يصد عن الحق وينفِّر عن اتباعه، وذاع عنه تكذيبه للرسول - ﷺ - وتحديه، واتباع خطواته لدحض دعوته، والحط من شأن دينه وما جاء به،
٢ - ثم ذكر أن ما كان يعتز به في الدنيا من مال ونجاه.. لم يغن عنه من الله شيئًا في الدنيا والآخرة، فقال: ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ﴾؛ أي: ما دفع عن أبي لهب ما حل به من التباب وما نزل به من عذاب الله ﴿مَالُهُ﴾؛ أي: ما جمعه من رؤوس أمواله، ﴿وَمَا كَسَبَ﴾؛ أي: ولا ما كسبه من الأرباح والجاه، أو المراد بقوله: ﴿مَالُهُ﴾: ما ورثه من أبيه، وبقوله: ﴿وَمَا كَسَبَ﴾ الذي كسبه بنفسه، قال مجاهد: وما كسب من ولد، وولد الرجل من كسبه.
والمعنى: أي لم يُفد حينئذ ماله، ولا عمله الذي كان يأتيه في الدنيا من

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon