يسعاه للصد عن دين الله، ولم يغن عنه ماله الذي كان يتباهى به، ولا جده ولا اجتهاده في ذلك، فإن الله أعلى كلمة رسوله ونشر دعوته وأذاع ذكره، وأنه سيعذب يوم القيامة بنار ذات شرر ولهب وإحراق شديد، أعدها الله لمثله من الكفار المعاندين فوق تعذيبه في الدنيا بإبطال سعيه ودحض عمله، وسنعذب معه امرأته التي كانت تعاونه على كفره وجحده، وكانت عضده في مشاكسة رسول الله - ﷺ - وإيذائه، وكانت تمشي بالنميمة للإفساد وإيقاد نار الفتنة والعداوة، كما قال: ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤)﴾ وستعذب أيضًا بهذه النار امرأته أروى بنت حرب أخت أبي سفيان بن حرب جزاء لها على ما كانت تجترحه من السعي بالنميمة إطفاءً لدعوة رسوله - ﷺ -، والعرب تقول لمن يسعى في الفتنة ويفسد بين الناس هو يحمل الحطب بينهم، كأنه بعمله يحرق ما بينهم من صلاتٍ، وقيل: إنها كانت تحمل حزم الشوك والحسك والسعدان، وتنثرها بالليل في طريق رسول الله - ﷺ - لإيذائه.
فإن قلت: إنها كانت من بيت العز والشرف، فكيف يليق بها حمل الحطب؟
قلت: إنها لشدة عداوتها للنبي - ﷺ - لا تستعين في ذلك بأحد، بل تفعله بنفسها اهـ "صاوي". وقال سعيد بن جبير معنى: ﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ إنها حمالة الخطايا والذنوب، من قولهم: فلان يحتطب على ظهره، كما في قوله: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾ وقيل: المعنى: حمالة الحطب في النار، وقرأ الجمهور (١): ﴿حمالةُ﴾ بالرفع على الخبرية، على أنها جملة مسوقة للإخبار بأن امرأة أبي لهب حمالة الحطب، وأما على ما قدمنا من عطف ﴿وَامْرَأَتُهُ﴾ على الضمير في ﴿تصلى﴾ فيكون رفع ﴿حمالة﴾ على النعت ﴿لامرأته﴾، والإضافة حقيقية؛ لأنها بمعنى المضي، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي حمالة، وقرأ عاصم بنصب ﴿حَمَّالَةَ﴾ على الذم، أو الشتم؛ أي: أذم أو أشتم حمالة الحطب، قال الزمخشري: وأنا أستحب هذه القراءة، وقد توسل إلى رسول الله - ﷺ - بجميلٍ من أحب شتم أم جميل. انتهى، وقيل: على أنه حال من ﴿امرأته﴾ بناء على أن الإضافة غير حقيقية؛ إذ المراد أنها تحمل يوم القيامة حزمة حطب من ضريع وزقوم، وفي جيدها سلاسل النار، كما