يخلفه؛ لاستحالة الحاجة والفناء عليه سبحانه.
فإن قلت: لم قال في هذه السورة: ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ وفي سورة بني إسرائيل ﴿لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾؟.
أجيب: بأن النصارى فريقان: منهم من قال عيسى ولد الله حقيقة، فقوله: ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ إشارة إلى الرد عليه، ومنهم من قال: اتخذه تشريفًا، كما اتخذ إبراهيم خليلًا تشريفا، فقوله: ﴿لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾ إشارة إلى الرد عليه.
﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾؛ أي: لم يصدر (١) عن شيء لاستحالة نسبة العدم إليه سابقًا أو لاحقًا، وقال بعضهم: الوالدية والمولودية لا تكونان إلا بالمثلية، فإن المولود لا بد أن يكون مثل الوالد، ولا مثلية بين هويته الواجبة وهوياتنا الممكنة. انتهى.
وقال البقلي: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣)﴾ أو: لم يكن هو محل الحوادث ولا الحوادث محله، والتصريح بأنه لم يولد مع كونهم معترفين بمضمونه، لتقرير ما قبله، وتحقيقه بالإشارة إلى أنهما متلازمان؛ إذ المعهود أن ما يلد يولد ومالا فلا، ومن قضية الاعتراف بأنه لم يولد، الاعتراف بأنه لا يلد، وفي "كشف الأسرار": قدم ذكر ﴿لَمْ يَلِد﴾؛ لأن من الكفار من ادعى أن له ولدًا، ولم يدع أحد أنه مولود، وقال أبو الليث: ﴿لَمْ يَلِد﴾ يعني: لم يكن له ولد يرثه ﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾ يعني لم يكن له والد يرث ملكه
٤ - ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿كُفُوًا﴾؛ أي: مماثلًا في ذاته وصفاته وأفعاله ﴿أَحَدٌ﴾ من المخلوقات، وقوله: ﴿لَهُ﴾ صلة لـ ﴿كُفُوًا﴾ قدمت عليه مع أن حقها التأخر عنه للاهتمام بها؛ لأن المقصود نفي المكافأة عن ذاته تعالى؛ أي: لم يكافئه ولم يماثله ولم يشاكله، بل هو خالق الأكفاء، ويجوز أن يكون من الكفاءة في النكاح نفيًا للصاحبة، وأما تأخير اسم كان فلمراعاة الفواصل، وهذه (٢) الجملة مقررة لمضمون ما قبلها؛ لأنه سبحانه إذا كان متصفًا بالصفات المتقدمة كان متصفًا بكونه لم يكافئه أحد، ولا يماثله ولا يشاركه في شيء، ولعل ربط هذه الجمل الثلاث بالعاطف؛ لأن المراد منها نفي أقسام الأمثال، فهي جملة واحدة منبه عليها بالجمل؛ أي: فهو (٣) تعالى الأول الذي لم

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) الخازن.


الصفحة التالية
Icon