وهو عطف (١) بيان أيضًا كالذي قبله؛ لبيان أن ربوبيته وملكه قد انضم إليهما المعبودية المؤسسة على الألوهية المقتضية للقدرة التامة على التصرف الكلي بالإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة، وأيضًا الرب قد يكون مَلِكًا وقد لا يكون ملكًا، كما يقال: رب الدار، ورب المتاع، ومنه قوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ فبين أنه ملك الناس، ثم المَلِك قد يكون إلهًا وقد لا يكون، فبيَّن أنه إله؛ لأن اسم الإله خاص به تعالى لا يشاركه فيه أحد، وأيضًا بدأ باسم الرب، وهو اسم لمن قام بتدبيره وإصلاحه من أوائل عمره إلى أن صار عاقلًا كاملًا، فحينئذ عُرف بالدليل أنه عبد مملوك، فذكر أنه ملك الناس، ثم لما علم أن العبادة لازمة له واجبة عليه، وأنه عبد مخلوق، وأن خالقه إله معبود.. بيَّن سبحانه أنه إله الناس.
وعبارة "المراغي" هنا: وإنما قدم (٢) الربوبية؛ لأنها من أوائل نعم الله تعالى على عباده، ثم ثنى بذكر المالكية؛ لأن العبد إنما يدرك ذلك بعد أن يصير عاقلًا مفكرًا، ثم ثلث بذكر الألوهية؛ لأن المرء بعد أن يدرك ويعقل يعلم أنه هو المستوجب للخضوع والعزة والمستحق للعبادة، وإنما قال: ﴿بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلَهِ النَّاسِ (٣)﴾ وهو رب كل شيء، واله كل شيء من قِبَل أن الناس هم الذين أخطؤوا في صفاته، وضلوا فيها عن الطريق السوي، فجعلوا لهم أربابًا ينسبون إليهم بعض النعم، ويلجؤون إليهم في دفع النقم، ويلقبونهم بالشفعاء، ويظنون أنهم هم الذين يدبرون حركاتهم ويرسمون لهم حدود أعمالهم، وبحسبك أن تقرأ قوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)﴾ وقوله: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠)﴾.
والخلاصة: أنه سبحانه أراد أن ينبه الناس بأنه هو ربهم وهم أناس مفكرون وملكهم وهم ذلك وإلههم وهم هكذا، فباطل ما اخترعوا لأنفسهم من حيث هم بشر.
(٢) المراغي.