وكرر لفظ الناس في ثلاثة مواضع (١)، ولم يكتف بضميرهم مع اتحاد اللفظين في اللفظ والمعنى، وهو معيب كالإيطاء في الشعر لمزيد (٢) الكشف والتقرير بالإضافة، ولإظهار شرف الناس وتعظيمهم والاعتناء بشأنهم، فإن ما لا شرف فيه لا يُعبأ به ولا يعاد ذكره، بل يترك ويهمل، كما قال الشاعر:

أَعِدْ ذِكْرَ نُعْمَانَ لَنَا إِنَّ ذِكْرَهُ هُوَ الْمِسْكُ مَا كَرَّرْتَهُ يَتَضَوَّعُ
فلولا أن الناس أشرف مخلوقاته.. لما ختم كتابه بذكرهم، وكما أنه حسَّن (٣) التكرار للتلذذ وإظهار فضل المكرر في قول بعضهم:
مُحَمَّدُ سَادَ النَّاسَ كَهْلًا وَيَافِعًا وَسَادَ عَلَى الأَمْلَاكِ أَيْضًا مُحَمَّدُ
مُحَمَّدُ كُل الْحُسْنِ مِنْ بَعْضِ حُسْنِهِ وَمَا حُسْنُ كُلِّ الْحُسْنِ إِلَّا مُحَمَّدُ
مُحَمَّدُ مَا أَحْلَى شَمَائِلَهُ وَمَا أَلَذَّ حَدِيْثًا رَاحَ فِيْهِ مُحَمَّدُ
وهذا على تسليم أن المراد بالناس في المواضع الثلاثة شيء واحد، وأما إن أريد بالناس الأول الصغار، وأضيفوا للرب لاحتياجهم إلى التربية أكثر من غيرهم، وبالثاني الشباب، وأضيفوا للملك لأن شأنهم الطغيان والطيش فيهم، فهم محتاجون لملك يسوسهم ويكسر هيجان شبوبيتهم، وبالثالث: الشيوخ، وأُضيفوا للإله لأن شأنهم كثرة العبادة لقرب ارتحالهم وقدومهم على ربهم وفناء شهواتهم، فهم أقرب من غيرهم للتعلق بالإله، فلا اتحاد في المعنى.
٤ - وقوله: ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (٤)﴾ متعلق بـ ﴿أَعُوذُ﴾؛ أي: من شر الشيطان ذي الوسوسة، وهي الهمس والصوت الخفي، والوَسواس - بفتح الواو - اسم مصدر بمعنى الحديث، أي: الوسوسة يُطلق على نفس الشيطان الموسوس؛ لكثرة ملازمته للوسوسة، فهو على حد زيد عدل؛ أي: شر الشيطان الموسوس، ويُطلق أيضًا على ما يخطر بالقلب من الشر، فالكلام حينئذ على حذف مضاف؛ أي: من شر الشيطان ذي الوسواس، كما أشرنا إليه أولًا.
والحاصل (٤): أن الوَسواس - بالفتح - اسم مصدر بمعنى الوسوسة، وهو:
(١) الصاوي.
(٢) روح البيان.
(٣) الصاوي.
(٤) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon