الصوت الخفي الذي لا يُحَس فيحترز منه كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأما المصدر فبالكسر كالزلزال بالكسر أيضًا، وقال الزجاج: الوسواس هو الشيطان؛ أي: ذي الوسواس، ويقال: إن الوسواس ابن لإبليس، والفرق بين المصدر واسم المصدر: أن الحدث إن اعتبر صدوره عن الفاعل ووقوعه على المفعول سمي مصدرًا، وإذا لم يُعتبر بهذه الحيثية سمي اسم المصدر، ولما كانت الوسوسة كلامًا يكرره الموسوس، ويؤكده عند من يلقيه إليه كرر لفظها بإزاء تكرير معناها، والمراد بالوسواس الشيطان؛ لأنه يدعو إلى المعصية بكلام خفيٍّ يفهمه القلب من غير أن يسمع صوته، وذلك بالإغرار بسعة رحمة الله تعالى، أو بتخييل أن له في عمره سعة، وأن وقت التوبة باقٍ بعد، سمي بفعله مبالغة كأنه نفس الوسوسة؛ لدوام وسوسته.
فقد أوقع الاستعاذة من شر الشيطان الموصوف بأنه الوسواس الخ، ولم يقل: من شر وسوسته؛ لتعم الاستعاذة شره جميعه، وإنما وصفه بأعظم صفاته وأشدها شرًا وأقواها تاثيرًا وأعمها فسادًا.
فإن قلت: ما الحكمة في وصف الله تعالى في هذه السورة بنفسه بثلاث أوصاف، وجعل المستعاذ منه شيئًا واحدًا، وفي السورة قبلها بعكس ذلك؛ لأنه وصف نفسه بوصف واحد، وجعل المستعاذ منه أربعة أشياء؟.
قلت: بأنه في السورة المتقدمة المستعاذ منه أمور تضر في ظاهر البدن، وهنا وإن كان أمرًا واحدًا إلا أنه يضر الروح، وما كان يضر الروح يُهتم بالاستعاذة منه.
فإن قلت: إن كان مقتضى الظاهر تقديم ما به الاهتمام؛ وهو الاستعاذة من شر الوسواس؛ إذ سلامة الروح مقدمة على البدن؟.
أجيب: بأن تقديم سلامة البدن وسيلة للمقصود بالذات، وهو: سلامة الروح.
وفي "آكام المرجان": وينحصر ما يدعو الشيطان إليه ابن آدم في ست مراتب: المرتبة الأولى الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله، فإذا ظفر بذاك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تبعه، وهذا أول ما يريده من العبد، والمرتبة الثانية البدعة، وهي أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن المعصية يتاب منها، فتكون كالعدم، والبدعة يظن صاحبها أنها صحيحة فلا يتوب منها، فإذا عجز عن ذلك انتقل إلى المرتبة


الصفحة التالية
Icon