والمعنى (١): أنهم لم يتورعوا عن تكذيبه، ولم يحجموا عن عقر الناقة، ولم يبالوا بما أنذرهم به من العذاب وأليم العقاب، ثم بيّن عاقبة عملهم، وذكر ما يستحقونه من الجزاء، فقال: ﴿فَدَمْدَمَ﴾؛ أي: أطبق ﴿عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ﴾ أليم العذاب وشديد العقاب ﴿بـ﴾ سبب ﴿ذنبهم﴾ الشنيع؛ وهو الصيحة الهائلة، وأهلكهم هلاك استئصال، ولم يُبق منهم ديارًا ولا نافخ نار.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿فَدَمْدَمَ﴾ بميم بعد دالين، وقرأ ابن الزبير: ﴿فدهدم﴾ بهاء بينهما، قال القرطبي: وهما لغتان، كما يقال: امتقع لونه واهتقع لونه؛ أي: أطبق عليهم العذاب مكررًا ذلك عليهم، وهو من تكرير قولهم: ناقة مدمومة إذا طُليت بالشحم وأحيطت به، بحيث لم يبق منها شيء لم يمسه الشحم، ودم الشيء سدّه بالقبر، ودممت على القبر وغيره إذا أطبقت عليه، ثم كررت الدال؛ للمبالغة في الإحاطة، فالدمدمة من الدم كالكبكبة من الكب. وقوله: ﴿بِذَنْبِهِمْ﴾؛ أي: بسبب (٣) ذنبهم المحكي والتصريح بذلك مع دلالة الفاء عليه للإنذار بعاقبة الذنب؛ ليعتبر به كل مذنب ﴿فَسَوَّاهَا﴾؛ أي: فسوى القبيلة في العقوبة، ولم يفلت منها أحد، بل أخذ بها كبيرهم وصغيرهم ذكرهم وأنثاهم ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ فأعاد عليها الضمير بالتأنيث، كما أعاد عليها في قوله: ﴿بِطَغْوَاهَا﴾ أو سوى الدمدمة والإهلاك بينهم، فعمهم بها، واستوت على صغيرهم وكبيرهم، وقيل: سوى الأرض عليهم، فجعلهم تحت التراب؛ أي: جعل الأرض فوقهم مستوية كان لم تُثر ودمر مساكنها على ساكنيها. روي أنهم لما رأوا علامات العذاب.. طلبوا صالحًا عليه السلام أن يقتلوه، فأنجاه الله تعالى، كما قال في سورة هود: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا﴾.
١٥ - ﴿وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (١٥)﴾ ﴿الواو﴾ (٤) للاستئناف، أو للحال من الضمير المستتر في ﴿فَسَوَّاهَا﴾ الراجع إلى الله تعالى؛ لأنه أقرب مذكور، والضمير في ﴿عُقْبَاهَا﴾؛ للدمدمة؛ أي: سوى الله سبحانه وتعالى الدمدمة عليهم حال كونه تعالى غير خائف عاقبة الدمدمة عليهم ولا تبعتها، أو عاقبة هلاك ثمود، كما يخاف سائر المعاقبين
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.
(٤) روح البيان.