منقطع من ﴿نِعْمَةٍ﴾؛ لأن ﴿ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ﴾ ليس من جنس نعمة تجزى، فالمعنى: لكن فعل ذلك ابتغاء وجه ربه الأعلى؛ أي: لابتغاء ذاته وطلب رضاه، فهو في الحقيقة مفعول له، وما أتى من المال مكافأة على نعمة سالفة، فذلك يجري مجرى أداء الدين، فلا يكون له دخل في استحقاق مزيد الثواب، وإنما يستحق الثواب إذا كان فعله لأجل أن الله سبحانه أمره به وحثه عليه، ومعنى ﴿الْأَعْلَى﴾: الرفيع فوق خلقه بالقهر والغلبة، كما قاله أبو الليث، وقال الفاكهاني: وصف الوجه الذي هو الذات الموجودة مع جميع الصفات بالأعلى؛ لأن لله سبحانه وتعالى بحسب كل اسم وجهًا يتجلى به لمن يدعوه بلسان حاله بذلك الاسم ويعبده باستعداده، والوجه الأعلى: هو الذي له بحسب اسمه الأعلى الشامل لجميع الأسماء، وإن جعلته وصف الرب، فالرب هو ذلك الاسم. انتهى.
وقرأ الجمهور (١): ﴿إِلَّا ابْتِغَاءَ﴾ بنصب الهمزة، وهو استثناء منقطع؛ لأنه ليس داخلًا في ﴿مِنْ نِعْمَةٍ﴾، وقرأ ابن وثاب: بالرفع على البدل من محل ﴿نِعْمَةٍ﴾؛ لأن محلها الرفع إما على الفاعلية، وإما على الابتداء، و ﴿مِن﴾ مزيدة، والرفع لغة تميم؛ لأنهم يجوزون البدل في المنقطع، ويجرونه مجرى المتصل، وقرأ الجمهور أيضًا: ﴿ابْتِغَاءَ﴾ بالمد، وقرأ ابن أبي عبلة بالقصر،
٢١ - ثم وعد ذلك الأتقى بالرضا عنه، فقال: ﴿وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ جواب قسم مقدر؛ أي: وأقسم بالله لسوف يرضى ذلك الأتقى الموصوف بما ذُكر؛ أي: ولسوف يرضيه ربه في الآخرة بثوابه وعظيم جزائه، وقرأ الجمهور: ﴿يَرْضَى﴾ مبنيًا للفاعل، وقُرىء مبنيًا للمفعول، وهذا وعد كريم (٢) بنيل جميع ما يبتغيه على أكمل الوجوه وأجملها؛ إذ به يتحقق الرضى، قال بعضهم: أي: يرضي الله عنه ويرضى هو بما يُعطيه الله في الآخرة من الجنة والكرامة والزلفى جزاء على ما فعل، ولم يُنزل هذا الوعد إلا لرسول الله - ﷺ - في قوله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥)﴾ ولأبي بكر - رضي الله عنه - هاهنا.
وفي قوله: ﴿وَلَسَوْفَ﴾ إيماء (٣) إلى أن الرضا يحتاج إلى بذل كثير، ولا يكفي القليل من المال؛ لأن يبلغ العبد منزلة الرضى الإلهي.
وقصارى ما سلف: أن الناس أصناف:
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.