والإِسلام في مشارق الأرض ومغاربها، ولما ادخر له من الكرامات التي لا يعلمها إلا الله تعالى، وقد أنبأ عن سمة منها قوله - ﷺ -: "لى في الجنة ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابها المسك".
والمعنى (١): أي ولسوف يظاهر ربك عليك نعمه ويوالي عليك منته، ومنها توارد الوحي عليك بما فيه إرشادك وإرشاد قومك إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، وسيظهر دينك على الأديان كلها، وتعلو كلمتك ويرتفع شأنك على شؤون الناس جميعًا.
٦ - وقوله: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا﴾ شروع في تعداد ما أفاضه الله سبحانه عليه من النعم؛ أي: ألم يجدك يا محمد ربك يتيمًا بموت أبويك، والاستفهام فيه للتقرير؛ أي: قد وجدك ربك يتيمًا، والوجود بمعنى العلم. و ﴿يَتِيمًا﴾: مفعوله الثاني. ﴿فَآوَى﴾ عطف على ما قبله؛ أي: ألم يَعْلَمْك الله يتيمًا بلا أب، فجعل لك مأوى تأوي إليه.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿فَآوَى﴾ بألف بعد الهمزة رباعيًا من آواه يؤويه إذا جعل له مأوى يأوي إليه، وقرأ أبو الأشهب العقيلي: ﴿فأوى﴾ ثلاثيًا بلا مد، وهو إما بمعنى الرباعي، من من أوى له إذا رحمه، يقال: أوى فلان إلى منزله يأوي أويًا على وزن فعول إذا رجع ولجأ إليه، وآويته أنا إيواء، والمأوى كل مكان يأوي إليه الشيء ليلًا من نهارًا؛ أي: يرجع إليه وينزل فيه، ويجوز أن يكون الوجود بمعنى (٣) المصادفة، و ﴿يَتِيمًا﴾ حال من مفعوله، يعني: على المجاز بأن يُجعل تعلق العلم الوقوعي الحالي مصادفة، وإلا فحقيقة المصادفة لا تمكن في حقه تعالى.
روي (٤): أن أباه عبد الله مات بعد حمله بشهرين، وقيل: قبل ولادته بشهرين، وقيل: بعد ولادته بشهرين، وقيل: بعد ولادته بسبعة أشهر، وقيل: بعدها بتسعة أشهر، وقيل: بعدها بثمانية وعشرين شهرًا، والراجح المشهور الأول، وكانت وفاة أبيه بالمدينة المنورة، ودُفن في دار النابغة، وقيل: دُفن بالأبواء قرية من عمل

(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
(٤) الفتوحات.


الصفحة التالية
Icon