اليتيم فقد كنت يتيمًا وإن له ربًا ينصره، وقال الأخفش: لا تسلط عليه بالظلم، ادفع إليه حقه، واذكر يتمك، وقال الفراء والزجاج: لا تقهره على ماله، فتذهب بحقه لضعفه، وكذا كانت العرب تفعل في حق اليتامى، تأخذ أموالهم وتظلمهم حقوقهم، وكان رسول الله - ﷺ - يُحسن إلى اليتيم ويبره ويوصي به.
وفي الحديث: "إذا بكى اليتيم وقعت دموعه في كف الرحمن، فيقول: من أبكى هذا اليتيم الذي واريت والده تحت الثرى، من أسكته - أي: أرضاه - فله الجنة" وروي أيضًا أنه - ﷺ - قال: "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه، ثم قال بأصبعه: أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وهو يشير باصبعيه، رواه البغوي بسنده.
وقرأ الجمهور (١): ﴿فَلَا تَقْهَر﴾ بالقاف، وقرأ ابن مسعود إبراهيم النخعي والشعبي والأشهب العقيلي: ﴿تكهر﴾ بالكاف بدل القاف، وهي لغة بمعنى قراءة الجمهور، والعرب تعاقب بين القاف والكاف، وقال النحاس: إنما يقال: كهره إذا اشتد عليه وغلّظ، وقيل: القهر الغلبة، والكهر الزجر، وقيل: معنى ﴿فلا تكهر﴾ فلا تعبس في وجهه، والمعنى؛ أي: لا تقهر اليتيم ولا تستذله، بل ارفع نفسه بالأدب، وهذّبه بمكارم الأخلاق؛ ليكون عضوًا نافعًا في جماعتك، لا جرثومة فساد يتعدى أذاها إلى كل من يخالطها من أمتك، ومن ذاق مرارة لضيق في نفسه، فما أجدر أن يستشعرها في غيره، وقد كان - ﷺ - يتيمًا، فباعد الله عنه ذل اليتم، فآواه، فمن أولى منه بأن يكرم كل يتيم شكرًا لله تعالى على نعمته.
١٠ - ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ﴾ والمستعطي ﴿فَلَا تَنْهَرْ﴾؛ أي: فلا تزجره، لكن أعطه، أو رده ردًا جميلًا، والنهر والانتهار: الزجر بمغالظة؛ أي: لا تزجره، ولا تغلظ له القول، بل رده ردًا طيبًا، وهذا بمقابلة قوله: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨)﴾.
قال الواحدي (٢): قال المفسرون: يريد السائل على الباب يقول: لا تنهره إذا سألك، فقد كنت فقيرًا، فإما أن تطعمه، وإما أن ترده ردًا لينًا، قال قتادة: معناه رد السائل برحمة ولين، وقيل: المراد بالسائل: الذي يسأل عن الدِّين، فلا تنهره بالغلظة والجفوة، وأجبه برفق ولين، كذا قال سفيان، فيكون في مقابلة {وَوَجَدَكَ
(٢) الشوكاني.