طائفة الزائغين الذين يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة، وطائفة الراسخين في العلم الذين يؤمنون بمحكمه ومتشابهه ويقولون: كلّ من عند ربنا.
والثاني منها: أن في الأولى تذكيرًا بخلق آدم، وفي الثانية تذكيرًا بخلق عيسى، وتشبيه الثاني بالأول في أنه جرى على غير سنة سابقة في الخلق.
والثالث منها: أن في كل منهما محاجَّة لأهل الكتاب، لكن في الأولى إسهاب في محاجة اليهود واختصار في محاجة النصارى، وفي الثانية عكس هذا؛ لأن النصارى متأخرون في الوجود عن اليهود، فليكن الحديث معهم تاليًا في المرتبة للحديث الأول.
والرابع منها: أن في آخر كلٍّ منهما دعاء إلا أن الدعاء في الأولى ينحو نحو طلب النصر على جاحدي الدعوة ومحاربي أهلها ورفع التكليف بما لا يطاق، وهذا مما يناسب بداءة الدين، والدعاء في الثانية يرمي إلى قبول دعوة الدين، وطلب الجزاء على ذلك في الآخرة.
والخامس منها: أن الثانية ختمت بما يناسب بدء الأولى؛ كأنها مُتَمِّمة لها؛ فبُدئت الأولى بإثبات الفلاح للمتقين، وختمت هذه بقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
فائدة: قال محمَّد بن حزم في كتابه "الناسخ والمنسوخ" (١): سورة آل عمران كلها محكمة إلا خمس آيات:
الأولى منها: قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾ فإنها منسوخة وناسخها آية السيف في سورة التوبة: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾.
والثانية والثالثة والرابعة: قوله تعالى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ فهذه ثلاثة آيات نزلت في ستة رهط ارتدوا عن الإِسلام بعد أن أظهروا الإيمان، ثم استثنى واحدًا من الستة وهو سويد بن الصامت، فقال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا﴾ فهذه - أعني آية الاستثناء -

(١) الناسخ والمنسوخ.


الصفحة التالية
Icon