عن دينهم، والقرآن مليء بالرد عليهم من نحو قوله تعالى: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾. انتهى.
﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾؛ أي: والذين رسخوا وثبتوا في العلم وتمكنوا فيه وعضوا فيه بضرس قاطع، وهذا كلام مستأنف عند الجمهور، والوقف عندهم على قوله: ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ وفسروا المتشابه بما استأثر الله بعلمه، وهو مبتدأ عندهم، والخبر قوله: ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾؛ أي: بالمتشابه أنه من عند الله، ولا نعلم معناه، وعدم التعرض لإيمانهم بالمحكم لظهوره ﴿كُلٌّ﴾ من المحكم والمتشابه ﴿مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾؛ أي: من عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه.
والراسخ في العلم (١): هو الذي عرف ذات الله وصفاته بالدلائل القطعية اليقينية، وعرف أن القرآن كلام الله تعالى بالدلائل اليقينية، وعرف أنه تعالى لا يتكلم بالباطل والعبث، فإذا رأى شيئًا متشابهًا، ودل الدليل القطعي على أن الظاهر ليس مرادًا لله تعالى.. علم حينئذٍ قطعًا أن مراد الله شيء آخر سوى ما دل عليه ظاهره، ثم فوض تعيين ذلك المراد إلى علمه تعالى، وقطع بأن ذلك المعنى على أيِّ شيءٍ كان فهو الحق والصواب؛ لأنه علم أن ذلك المتشابه لا بد وأن يكون له معنى صحيح عند الله تعالى.
وقيل الراسخ في العلم (٢): من وجد في علمه أربعة أشياء: التقوى فيما بينه وبين الله تعالى، والتواضع فيما بينه وبين الناس، والزهد فيما بينه وبين الدنيا، والمجاهدة فيما بينه وبين النفس. ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾؛ أي: وما يتعظ بما في القرآن وما يتيقظ له ويتدبر له إلا أصحاب العقول الكاملة المستنيرة الخالصة عن الركون إلى الأهواء الزائغة، وهذا مدح للراسخين بجودة الذهن وحسن النظر.
٨ - ولما آمن الراسخون في العلم بكل ما أنزل الله تعالى من المحكمات
(٢) الخازن.