فيه؛ كيلا تضعف وتموت، إذ السهل الجلي لا عمل للعقل فيه، وإذا لم يجد العقل مجالًا للبحث.. مات. والدين أعز شيء على الإنسان فإذا ضعف عقله في فهمه.. ضعف في كل شيء، ومن ثم قال: والراسخون في العلم، ولم يقل: والراسخون في الدين؛ لأن العلم أعم وأشمل، فمن رحمته أن جعل في الدين مجالًا لبحث العقل بما أودع فيه من المتشابه؛ إذ بحثه يستلزم النظر في الأدلة الكونية والبراهين العقلية ووجوه الدلالة ليصل إلى فهمه ويهتدي إلى تأويله.
ومنها: أن الأنبياء بعثوا إلى الناس كافة، وفيهم العالم والجاهل والذكي والبليد، وكان من المعاني الحكم الدقيقة التي لا يمكن التعبير عنها بعبارة تكشف عن حقيقتها، فجعل فهم هذا من حظ الخاصة، وأمر العامة بتفويض الأمر فيه إلى الله والوقوف عند فهم المحكم؛ ليكون لكل نصيبه على قدر استعداده فإطلاق كلمة الله، وروح الله على عيسى يفهم منه الخاصة ما لا يفهمه العامة، ومن ثم فُتن النصارى بمثل هذا التعبير؛ إذ لم يقفوا عند حد المحكم وهو التنزيه واستحالة أن يكون لله أم أو ولد بمثل ما دل عليه قوله: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾.
ومنها: أن القرآن نزل بألفاظ العرب وعلى أسلوبهم وكلامهم على ضربين:
الأول: الموجز الذي لا يخفى على سامع وهذا هو الضرب الأول.
والثاني: المجاز والكنايات والإشارات والتلويحات، وهذا الضرب هو المستحسن عندهم، فأنزل القرآن على الضربين ليتحقق عجزهم، فكأنه قال: عارضوه بأي الضربين شئتم. ولو نزل كله محكمًا لقالوا؛ هلا نزل بالضرب المستحسن عندنا.
والرابع منها: اختلف في الوقف في قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ فذهب الجمهور إلى أن الوقف على ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ الواو في قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ للاستئناف، وهو قول أبي بن كعب وعائشة وعروة بن الزبير وغيرهم، ويؤيد هذا القول قراءة أبي وابن عباس فيما رواه طاووس عنه شذوذًا: {إلا الله


الصفحة التالية
Icon