وقرأ حمزة والكسائي وخلف (١): ﴿سيغلبون ويحشرون﴾ بالياء على الغيبة. وقرأ باقي السبعة: بالتاء خطابًا؛ أي: قل لهم في خطابك إياهم ستغلبون وتحشرون. فتكون الجملتان مقولًا لـ ﴿قُلْ﴾، وعلى قراءة الياء لا تكون الجملة محكية بـ ﴿قُلْ﴾ بل محكية بقول آخر تقديره: قل لهم قولي: سيغلبون وإخباري أنه يقع عليهم الغلبة والهزيمة.
والفرق بينهما (٢): أنه على الخطاب يكون الإخبار بمعنى كلام الله تعالى،
١٣ - وعلى الغيبة يكون بلفظه. ثم حذرهم وأنذرهم بأن لا يغتروا بكثرة العَدَد والعُدَّة فلهم مما يشاهدون عبرة فقال: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾. وهذه الجملة جواب قسم محذوف، وهي من تمام القول المأمور به لتقدير مضمون ما قبله، ولم يقل: كانت؛ لأن التأنيث غير حقيقي، وقال الفراء: إنه ذكر الفعل لأجل الفصل بينه وبين الاسم بقوله: لكم، وقال ابن جرير: الخطاب فيه لليهود والمعنى: قل يا محمَّد لليهود: واللهِ لقد كانت وحصلت لكم علامة عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم من أنكم ستغلبون ﴿فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾؛ أي في فرقتين اجتمعتا يوم بدر للقتال ﴿فِئَةٌ﴾؛ أي: فرقة منهما ﴿تُقَاتِلُ﴾ وتجاهد ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أي: في طاعة الله؛ لإعلاء كلمته، وهم رسول الله - ﷺ - وأصحابه، وكانوا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلًا، سبعة وسبعون رجلًا من المهاجرين، ومئتان وستة وثلاثون رجلًا من الأنصار، وكان صاحب راية المهاجرين علي بن أبي طالب وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة، وكان فيهم سبعون بعيرًا بين كل أربعة منهم بعير واحد ومن الخيل فرسان للمقداد بن عمرو ولمرثد بن أبي مرثد، وكان معهم من السلاح ستة دروع وثمانية سيوف. وقراءة العامة: ﴿فِئَةٌ﴾ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: إحداهما. وقرأ الحسن ومجاهد وحميد شذوذًا: ﴿فئةٍ﴾ بالجر على البدلية من فئتين. وقرأ ابن أبي عبلة شذوذًا أيضًا: ﴿فئة﴾ بالنصب، فيكون نصب الأولى على المدح، والثاني على الذم، وكأنه قال: أمدح فئة تقاتل

(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.


الصفحة التالية
Icon