في سبيل الله، وأذم أخرى كافرة. وقرأ الجمهور: ﴿تُقَاتِلُ﴾ بالتاء على تأنيث الفئة، وقرأ مجاهد ومقاتل شذوذًا: ﴿يقاتل﴾ بالياء على التذكير نظرًا لكون الفئة بمعنى القوم ﴿و﴾ فرقة ﴿أخرى كافرة﴾ كافرة بالله ورسوله وهم مشركوا مكة، وكانوا تسع مئة وخمسين رجلًا من المقاتلة، وفيهم أبو سفيان وأبو جهل، وكان رئيسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكان فيهم مئة فرس، وكانت معهم من الإبل سبع مئة وأهل الخيل كلهم كانوا دارعين وكان في الرجال دروع سوى ذلك، وكانت وقعة بدر أول مشهد شهده رسول الله - ﷺ - بعد الهجرة ﴿يَرَوْنَهُمْ﴾؛ أي: يرى المشركون المؤمنين بعد ما شرعوا في القتال ﴿مِثْلَيْهِمْ﴾؛ أي: مثلي عدد المشركين قريبًا من ألفين، أو مثلي عدد المسلمين ستمائة ونيفًا وعشرين ﴿رَأْيَ الْعَيْنِ﴾؛ أي: في رأي العين؛ أي: رؤية ظاهرة محققة بالعين لا بالوهم والخيال، وذلك أنه تعالى كَثَّر المسلمين في أعين المشركين مع قلتهم ليهابوهم فيحترزوا ويجبنوا عن قتالهم ولا يعارض هذا ما قال في سورة الأنفال: ﴿ويقللكم في أعينهم﴾؛ لأنهم قللوا أولًا في أعينهم حتى اجترؤوا على قتالهم، فلما اجتمعوا. كثروا في أعينهم حتى غلبوا، فكان التقليل والتكثير في حالتين مختلفتين ونظيره من المجمول على اختلاف الأحوال قوله تعالى لها: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾، ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ وتقليلهم تارة وتكثيرهم أخرى في أعينهم أبلغ في القدرة وإظهار الآية.
وهذا (١) على قراءة الجمهور بالياء التحتانية، وقرأ نافع وأبان عن عاصم من السبعة وسهل ويعقوب ﴿ترونهم﴾ بالتاء على الخطاب، والمعنى: ترون أيها اليهود المشركين مثلي المؤمنين في القوة والشوكة، ومع ذلك غلبهم المؤمنون مع قلتهم جدًّا، فيكون هذا أبلغ في إكرام المؤمنين وعناية الله بهم، وقرأ ابن عباس وطلحة ﴿تُرَونهم﴾ بضم التاء على الخطاب، وقرأ السلمي: بضم الباء على الغيبة.

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon