هؤلاء صناديدهم، وأئمتهم، وقادتهم، فهوى رسولُ الله - ﷺ - ما قال أبو بكر رضي الله عنه ولم يهو ما قلت، فأخذ منهم الفداء، فلما أن كان من الغد، قال عمر رضي الله عنه: غدوت إلى رسول الله - ﷺ - فإذا هو قاعدٌ، وأبو بكر رضي الله عنه: وإذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاءً بكيت، فإن لم أجد تباكيت لبكائكما، قال: فقال النبي - ﷺ -: الذي عرض عليَّ أصحابك من الفداء، لقد عُرِضَ عليّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة، لشجرةٍ قريبةٍ، وأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ إلى قوله: ﴿لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ﴾ من الفداء ثم أحل لهم الغنائم، فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفرَّ أصحاب النبي - ﷺ - عن النبي - ﷺ - وكسرت رباعيته، هشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، وأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا﴾ بأخذ الفداء".
الحديث رجاله رجال الصحيح، وقد عزاه ابن كثير، والسيوطي لابن أبي حاتم مختصرًا، وإنما سقته بتمامه لما فيه من العبر.
التفسير وأوجه القراءة
١٥٩ - والباء في قوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ سببيةٌ، وما زائدة؛ أي: فسبب رحمةٍ عظيمةٍ من الله، لنت وسهلت (١) لهم أخلاقك، وكثرت احتمالك إياهم، ولم تسرع إليهم بتعنيف على ما وقع منهم يوم أحد. ومعنى ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾: هو توفيق الله عَزَّ وَجَلَّ نبيه محمدًا - ﷺ - للرفق، والتلطُّف بهم، وأنَّ الله تعالى ألقى في قلب نبيه - ﷺ - داعية الرحمة، واللطف حتى فعل ذلك معهم.
وقال (٢) أبو حيان: متعلَّق الرحمة المؤمنون، فالمعنى فبرحمة من الله عليهم، لِنْتَ لهم، فتكون الرحمة امْتَنَّ بها عليهم؛ أي: سهلت أخلاقك، ولان
(٢) البحر المحيط ج ٣ ص ٩٧.