محمَّد ﴿فِي الْأَمْرِ﴾ الذي يرد (١) عليك، أي أمر كان مما يشاور في مثله، أو في أمر الحرب خاصَّةً، كما يفيده السِّياقُ، لما في ذلك من تطييب خواطرهم، واستجلاب مودَّتهم، فإن المشاورة تقتضي شدَّة محبتهم له - ﷺ -؛ لأنها تدل على رفعة درجتهم، فترك المشاورة معهم إهانة لهم، وروي أنه - ﷺ - قال: "ما شاور قومٌ قطُّ إلا هدوا لأرشد أمورهم" وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما رأيت أحدًا أكثر مشاورةً من أصحاب النبي - ﷺ - ولتعريف الأمة بمشروعية ذلك حتى لا يأنف منه أحدٌ بعدك، وقرأ ابن عباس ﴿في بعض الأمر﴾.
فائدة: وللمشاورة فوائد جمة (٢):
منها: أنها تبين مقادير العقول والأفهام، ومقدار الحب والإخلاص للمصالح العامة.
ومنها: أن عقول الناس متفاوتة وأفكارهم مختلفةٌ، فربما ظهر لبعضهم من صالح الآراء ما لا يظهر لغيره، وإن كان عظيمًا.
ومنها (٣): أن الآراء فيها تقلب على وجوهها، ويختار الرأي الصائب من بينها.
ومنها: أنه يظهر فيها اجتماع القلوب على إنجاح المسعى الواحد، واتفاق القلوب على ذلك مما يعين على حصول المطلوب، ومن ثم شرعت الاجتماعات في الصلوات، وكانت صلاة الجماعة أفضل من صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة.
ومنها: أنه قد يعزم الإنسان على أمرٍ فيشاور فيه، فيتبين له الصواب في غيره، فيعلم بذلك عجز نفسه عن الإحاطة بفنون المصالح.

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي ج ٢ ص ١١٤.
(٣) النسفي.


الصفحة التالية
Icon