ثم ختمت السورة ببيان ضلالات النصارى، في أمر المسيح عيسى ابن مريم، حيث غالوا فيه حتى عبدوه، ثم صلبوه؛ أي: جعلوه صليبًا مصورًا معبودًا لهم مع اعتقادهم بألوهيته، واخترعوا فكرة التثليث فأصبحوا كالمشركين الوثنيين، وقد دعتهم الآيات إلى الرجوع عن تلك الضلالات إلى العقيدة السمحة الشافعية عقيدة التوحيد وصدق الله تعالى حيث قال: ﴿وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾.
قيل (١): وجعل هذا المطلع مطلعًا لسورتين إحداهما: هذه، وهي الرابعة من النصف الأول، والثانية: سورة الحج، وهي الرابعة من النصف الثاني، وعلل هنا الأمر بالتقوى بما يدل على معرفة المبدأ، وهناك بما يدل على معرفة المعاد.
فضلها: وقد ورد (٢) في فضل هذه السورة ما أخرجه الحاكم في "مستدركه" عن عبد الله بن مسعود قال: إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ الآية، و ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ الآية، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ الآية، و ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ الآية. ثم قال: هذا إسناد صحيح، إن كان عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود سمع من أبيه، وقد اختلف في ذلك.
الناسخ والمنسوخ منها: قال أبو عبد الله محمَّد بن حزم (٣): سورة النساء مدنية تحتوي على أربع وعشرين آية منسوخة:
الأولى منها: قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ﴾ مدنية النساء نسخت بأية المواريث وهي قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ الآية ١١ مدنية النساء.
(٢) الشوكاني.
(٣) الناسخ والمنسوخ.