والثانية منها: قوله تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ﴾ الآية ٩ النساء نسخت بقوله تعالى: ﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ الآية ١٨٢ مدنية البقرة.
والثالثة منها: قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا﴾ ١٠ مدنية النساء، وذلك أنه لما نزلت هذه الآية امتنعوا من أموال اليتامى، وعزلوهم فدخل الضررُ على الأيتام، ثم أَنْزَل (١) الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ ٢٢٠ البقرة. من المخالطة ركوب الدابة، وشرب اللبن فرخص في المخالطة، ولم يرخص في أكل الأموال بالظلم ثم قال عز وجل: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ ٦ النساء، فهذه الآية نسخت الأولى، والمعروف هنا: القرض فإذا أيسر رده، فإن مات قبل ذلك. فلا شيءَ عليه.
والرابعة منها: قوله تعالى: ﴿وَاللَّاتِي يَأتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ الآية ١٥ مدنية النساء. كانت المرأة إذا زنت، وهي محصنة حبست في بيت، فلا تخرج منه حتى تموت، قال رسول الله - ﷺ -: "خذوا عني قد جعل الله لهن السبيلَ الثيبُ بالثيب الرجمُ، والبكر جلد مائة، وتغريب عام" فهذه الآية منسوخة بعضها بالكتاب، بقوله تعالى: ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ ١٥ مدنية النساء. وبعضها بالسنة، وكني فيها بذكر النساء عن ذكر النساء والرجال.
والخامسة منها: قوله تعالى: ﴿وَاللَّذَانِ يَأتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾ ١٦ مدنية النساء. كان البكران إذا زنيا عيرا وشتما فنسخ الله ذلك بالآية التي في سورة النور، وهي قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ ٢ مدنية النور.

(١) وفي "الخازن": وقد توهم بعضهم أن قوله: ﴿وإن تخالطوهم﴾ ناسخ لهذه الآية، وهذا غلط ممن توهمه؛ لأن هذه الآية واردة في المنع من أكل أموال اليتامى ظلمًا وهذا لا يصير منسوخًا لأن أكل مال اليتيم بغير حق من أعظم الآثام وقوله ﴿وإن تخالطوهم فإخوانكم﴾ وارد على سبيل الإصلاح في أموال اليتامى والإحسان إليهم وهو أعظم القرب. اهـ منه.


الصفحة التالية
Icon