صغير، وكان اليتيم ابن أخيه، فأكله فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا...﴾ الآية.
التفسير وأوجه القراءة
١ - افتتح الله سبحانه وتعالى سورةَ النساء بخطاب الناس جميعًا، ودعوتهم إلى تقواه وعبادته وحده منبهًا على قدرته، ووحدانيته، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾؛ أي: يا بني آدم ﴿اتَّقُوا﴾ وخافوا ﴿رَبَّكُمُ﴾؛ أي: عقاب من رباكم بإحسانه، وتفضل عليكم بجوده بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه في حقه، وحق بعضكم على بعض، والخطاب فيه عام للمكلفين الموجودين، وقت نزول الآية ذكورًا وإناثًا، والحادثين بعد ذلك إلى يوم القيامة بدليل خارجي، وهو الإجماع على أنهم مكلفون بما كلف به الموجودون، أو تغليب الموجودين على من لم يوجد كما غلب المذكور على الإناث في قوله: ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ لاختصاص ذلك بجمع المذكر ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ وأنشأكم، وأوجدكم بطريق التناسل والتوالد ﴿مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ هي آدم، قرأ الجمهور واحدة بالتاء على تأنيث لفظ النفس، وقرأ ابن أبي عبلة ﴿واحد﴾ بغير هاء على مراعاة المعنى، إذ المراد به آدم، فالتأنيث باعتبار اللفظ، والتذكير باعتبار المعنى، وقوله: ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا﴾؛ أي: من تلك النفس الواحدة التي هي آدم ﴿زَوْجَهَا﴾؛ أي: أمكم حواء قيل (١): هو معطوف على مقدر يدل عليه المقام؛ أي: خلقكم من نفس واحدة خلقها أولًا، وخلق منها زوجها ثانيًا، وقيل: على خلقكم فيكون الفعل الثاني مع الأول داخلًا في حيز الصلة.
وخلقها منه لم يكن بتوليد كخلق الأولاد من الآباء، فلا يلزم منه ثبوت حكم البنتية له، والأختية لنا فيها، فلا يقال: إذا كانت مخلوقةً من آدم، ونحن مخلوقون منه أيضًا تكون نسبتها إليه نسبة الولد، فتكون أختًا لنا لا أمًّا، روي (٢) أن الله سبحانه وتعالى لما خلق آدم عليه السلام، ألقى عليه النوم، ثم خلق حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى، وهو قصير، فلما استيقظ رآها جالسة عند رأسه

(١) الشوكاني.
(٢) الخازن.


الصفحة التالية
Icon