فقال لها: من أنت؟ قالت: امرأة. قال: لماذا خلقت؟ قالت: خلقت لتسكن إلي؟ فمال إليها، وألفها؛ لأنها خلقت منه.
واختلفوا في أي وقت خلقت حواء، فقال كعب الأحبار، ووهب، وابن إسحاق: خلقت قبل دخولها الجنة، وقال ابن مسعود، وابن عباس - رضي الله عنهم -: إنما خلقت في الجنة بعد دخوله إياها، والله أعلم.
﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا﴾؛ أي: نشر من تلك النفس الواحدة، وزوجها بطريق التوالد؛ أي: أظهر وفرق من آدم وحواء ﴿رِجَالًا كَثِيرًا﴾، وذكورًا عديدًا، ﴿وَنِسَاءً﴾ كثيرةً، ونشرهم في أقطار الأرض على اختلاف أصنافهم، وصفاتهم، وألوانهم، ولغاتهم، ثم إليه بعد ذلك المعاد والمحشر. إنما وصف الرجال بالكثرة دون النساء؛ لأن حال الرجال أتم، وأكمل، وهذا كالتنبيه على أن اللائق بحال الرجال الظهور، والاشتهار، وبحال النساء الاختفاء، والخمول، وإنما أمرهم بتقوى خالقهم الذي خلقهم على هذا النظام؛ لأن خلقه تعالى لهم على هذا النمط البديع من أقوى الداعي إلى الاتقاء من موجبات نقمته، ومن أتم الزواجر عن كفران نعمته، وذلك لأنه ينبىء عن قدرة شاملة لجميع المقدورات التي من جملتها عقابهم، وعن نعمة كاملة لا يقدر قدرها.
فالتقوى نوعان: تقوى في حقه تعالى، وتقوى فيما بينهم من الحقوق، وقوله: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ استدعاء للتقوى الأولى، وقوله ﴿مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ استدعاء للتقوى الثانية، فالناس جميعًا من أصل واحد، وهم أخوة في الإنسانية، والنسب، ولو أدرك الناس هذا.. لعاشوا في سعادة، وأمان، ولما كان بينهم حروب طاحنة مدمرة تلتهب الأخضر واليابس وتقضي على الكهل والوليد. وقرىء (١) ﴿وخالق منها زوجها وباث منهما﴾ على صيغة اسم الفاعل، وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره: وهو خالق ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ﴾؛ أي: خافوا عقاب الله الذي تتحالفون، وتتناشدون به؛ أي: يناشد، ويسأل بعضكم بعضًا به حيث