يقول: أسألك باللهِ، وأنشدك بالله؛ أي: أقسم وأحلف عليك به، والتساؤل (١) بالله هو كقولك: أسألك باللهِ، وأحلف عليك بالله، واستشفع إليك بالله.
وإنما كرر (٢) الأمر بالتقوى؛ لأجل بيان بعض آخر من موجبات الامتثال؛ لأن سؤال بعضهم لبعض بالله يقتضي الاتقاء من مخالفة أوامره ونواهيه. وقرأ الجمهور من السبعة ﴿تَسَاءَلُونَ﴾ قرأ أهل الكوفة منهم: بحذف التاء الثانية، تخفيفًا لاجتماع المثلين، وأصله: تتساءلون، وقرأ أهل المدينة، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر بالتشديد بإدغام التاء الثانية في السين.
وقرأ عبد الله ﴿تسألون به﴾ مضارع سأل الثلاثي، وقرىء ﴿تسلون﴾ بحذف الهمزة، ونقل حركتها إلى السين. قال ابن عباس: معنى تساءلون به؛ أي: تتعاطفون، وقال الضحاك، والربيع، تتعاقدون، وتتعاهدون، وقال الزجاج: تتطلبون به حقوقكم.
﴿و﴾ اتقوا ﴿الأرحام﴾؛ أي: خافوا عقاب قطيعة مودة الأرحام، فإني قد أوجبت عليكم صلَتَها، فإن قطع الأرحام من أكبر الكبائر وصلتَها باب لكل خير، فتزيد في العمر، وتبارك في الرزق وقطعها سبب لكل ضر، ولذلك وصل تقوى الرحم بتقوى الله، وصلة الرحم تختلف باختلاف الناس، فتارة تكون عادته مع رحمه الصلةَ بالإحسان، وتارةً بالخدمة، وقضاء الحاجة، وتارةً بالمكانية، وتارة بحسن العبارة وغير ذلك، ولا فرق في الرحم؛ أي: القريب بين الوارث وغيره، كالخالة والخال والنعمة وبنتها، والأم والجد والجدة، وفي الآية دليل على تعظيم حق الرحم والنهي عن قطعها، ويدل على ذلك أيضًا، الأحاديث الواردة في ذلك، وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - ﷺ -: "الرحم معلقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله". متفق عليه.
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله - ﷺ - قال: "مَنْ سره أن يبسط عليه من رزقه، وينسأ في أثره، فليصل رحمه"، متفق عليه. قوله: يُنسأ في أثره؛ أي:
(٢) الجمل.