﴿صَدُقَاتِهِنَّ﴾؛ أي: مهورهن حالة كونها ﴿نِحْلَةً﴾؛ أي: عطية من الله سبحانه وتعالى فرضها لها بلا مقابلة مال؛ ليكون رمزًا للمودة التي ينبغي أن تكون بينكما، وآية من آيات المحبة، ودليلًا على وثيق الصلة، والرابطة التي تجب أن تكنفكما، وتحيط بسماء المنزل الذي تحلان فيه، وقد جرى عرف الناس بعدم الاكتفاء بهذا العطاء، فتراهم يردفونه بأصناف الهدايا والتحف من مآكل، وملابس، ومصوغات إلى نحو ذلك مما يعبر عن حسن تقدير الرجل للمرأة التي يريد أن يجعلها شريكته في الحياة.
وسمي (١) الصداق نحلة من حيث أنه لا يجب في مقابلته غير التمتع دون عوض مالي، وقيل (٢): معناه: فريضة كما قاله ابن عباس، وقتادة، وابن جريج، وابن زيد، وإنما فسروا النّحلة بالفريضة؛ لأن النحلة في اللغة معناها: الديانة، والملة، والشرعة، والمذهب فقوله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾؛ أي: أعطوهن مهورهن؛ لأنها شريعة، ودين، ومذهب، وما هو كذلك، فهو فريضة ﴿فَإِنْ طِبْنَ﴾ النساء المتزوجات ﴿لَكُمْ﴾ أيها الأزواج ﴿عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ﴾؛ أي: من الصداق المعين فوهبن لكم شيئًا منه بطيب نفس من غير أن يكون السبب فيه شكاسة أخلاقكم معهن، أو سوء معاشرتكم معهن؛ أي: فإن طابت نفوسهن بإعطائكم شيئًا من الصداق من غير ضرار، ولا خديعة ﴿فَكُلُوهُ﴾؛ أي: فخذوا ذلك الشيء وتصرفوا فيه، وانتفعوا به، وهو أمر إباحة، وعبر بالأكل؛ لأنه معظم الانتفاع؛ أي: ﴿فَكُلُوهُ﴾ أكلًا ﴿هَنِيئًا﴾؛ أي: حلالًا لا إثم عليه في الدنيا ﴿مَرِيئًا﴾؛ أي: طيبًا لا مؤاخذة عليه في الآخرة.
ومن ثم (٣): لا يجوز للرجل أن يأكل شيئًا من مال امرأته، إلا إذا علم أن نفسها طيبة به، فإذا طلب منها شيئًا وحملها الخوف أو الخجل على إعطاء ما طلب، فلا يحل له، ألا ترى أن الله سبحانه وتعالى نهى عن أخذ شيء، من المرأة، في طور المفارقة فقال: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ
(٢) مراح.
(٣) المراغي.