وقال الكلبي: إذا علم الرجل أن امرأته سفيهةٌ مفسدة، وأن ولده سفيهٌ مفسد، لا ينبغي له أن يسلط واحدًا منهما على ماله، فيفسده، وإنما سماهم سفهاء استخفافًا بعقلهم، واستهجانًا لجعلهم قوامًا على أنفسهم، وعلى هذا فالإضافة في قوله ﴿أَمْوَالَكُمُ﴾ على ظاهرها وحقيقتها.
ومعنى جعل الأموال قيامًا للناس (١): أن بها تقوم وتثبت منافعهم، ومرافقهم، فمنافعُهم الخاصة ومصالحهم العامة، لا تزال قائمة ثابتة ما دامت أموالهم في أيدي الراشدين المقتصدين منهم، الذين يحسنون تثميرها، وتوفيرَها، ولا يتجاوزون حدودَ المصلحة في الإنفاق.
وفي هذا حث عظيم على الاقتصاد بذكر فوائده، وتنفير من الإسراف والتبذير ببيان مغبته (٢)، فإن الأموال إذا وقعت في أيدي السفهاء المسرفين، فات ما كان من تلك المنافع قائمًا، ومن ثم وصف الله تعالى المؤمنين بقوله: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ وقد ورد في السنة النبوية حث كثير على الاقتصاد من ذلك: ما رواه أحمد عن ابن مسعود "ما عال من اقتصد" وما رواه الطبراني والبيهقي عن ابن عمر "الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة، والتودد إلى الناس نصف العقل، وحسن العقل نصف العلم".
وإن من أشد العجب أن يكون حال المسلمين اليومَ ما نرى من الإسراف والتبذير، بإنفاق أموالهم في غير مصارفها، من المغنيات، والملاهي، وسائر وجوه المحرمات، وكتابهم يهديهم إلى ما للاقتصاد من فوائد، وما للتبذير من مضار، انظر إلى ما للمال في هذا الزمن من المنزلة التي لا يقدر قدرها حتى صارت جميع المرافق موقوفة على المال، وأصبحت الأمم الجاهلة بطرق الاقتصاد، وليس في أيديها المال مستذلة مستعبدة للأمم الغنية ذات البراعة في الكسب والإحسان في الاقتصاد، وجمع المال، ولا سبب لهذا إلا أنا نبذنا هدي
(٢) مغبته - بتشديد الباء المفتوحة -: أي عاقبته اهـ م.