يتزوج بالأمة، ومن ذلك أن من كان عنده أربع نسوة حرم عليه أن يتزوج بخامسة، ومن ذلك الملاعنة فإنها محرمة على الملاعن علي التأبيد، ومن ذلك بيعض أصناف محرمات الرضاع، فهذه أصناف من المحرمات سوى ما ذكر في الآية، على هذا يكون قوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ ورد بلفظ العموم، لكن العموم دخله التخصيص، فيكون عامًّا مخصوصًا. وقوله: ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ في محل رفع على البدل من ما على القراءة الأولى بدل اشتمال.
والمعنى: وأحل لكم ما سوى المحرمات السابقة أن تبتغوه وتطلبوه؛ أي: أحل لكم ابتغاء ذلك السوى وطلبه بأموالكم التي تدفعونها مهرًا للزوجة، أو ثمنًا للأمة، أو في محل نصب على البدل أيضًا على القراءة الثانية، والمعنى وأحل الله لكم ما سوى تلك المحرمات السابقة، أن تبتغوه بأموالكم؛ أي: أحل لكم ابتغاءَهُ وطلبه بأموالكم المصروفة في المهور، في النكاح وفي الأثمان وفي التسري، حالة كونكم ﴿مُحْصِنِينَ﴾؛ أي: متعففين أنفسكم من الزنا، ﴿غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾؛ أي: غير زانين، وهذا تكرير للتأكيد؛ لأن الإحصان لا يجامع السفاح؛ أي: عافين أنفسكم من الزنا، ومانعين لها من الاستمتاع بالمحرم، باستغناء كل منكما بالآخر؛ إذ الفطرة تدعو الرجل إلى الاتصال بالأنثى، والأنثى إلى الاتصال بالرجل، ليزدوجا وينتجا، وإنما اقتصر هنا على غير مسافحين، ولم يقل متخذي أخدان؛ لأنه في الحرائر المسلمات، وهنَّ إلى الخيانة أبعد من بقية النساء، وزاد فيما بعد ﴿مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ لأنه في الإماء، وهن إلى الخيانة أقربُ من الحرائر المسلمات، فالإحصان هو هذا الاختصاص الذي يمنع النفس أن تذب أي مذهب، فيتصلُ كل ذكر بأي امرأة، وكل امرأة بأيِّ رجل، إذ لو فعلا ذلك.. لما كان القصد من هذا إلا المشاركة في سفح الماء الذي تفرزه الفطرة، إيثارًا للذة على المصلحة؛ إذ المصلحة تدعو إلى اختصاص كل أنثى بذكر معين، حتى تتكون بذلك الأسرة، ويتعاون الزوجان على تربية أولادهما.
فإذا انتفى هذا المقصد.. انحصرت الداعية الفطرية في سفح الماء وصبه، وذلك هو البلاء العام الذي تصطلي بناره الأمة كلها، فإن بعض الدول الأوروبية


الصفحة التالية
Icon