الهضم جد العسر، ويحمل كثيرًا من المواد العفنة التي تنحل من الجسم، وهي فضلات لفظتها الطبيعة كما تلفظ البراز ونحوه، واستعاضت عنها بمواد جديدة من الدم، وقد يكون جراثيم بعض الأمراض المعدية، وهي تكون فيه أكثر مما تكون في اللحم، ومن أجل هذا اتفق الأطباء على وجوب غلي اللبن قبل شربه؛ لقتل ما عسى أن يكون قد علق به من جراثيم الأمراض المعدية.
والثالث: ما ذكره بقوله: ﴿وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾؛ أي: وحرم عليكم أكل لحم الخنزير، والمراد به: جميع أجزائه وأعضائه، وإنما خص اللحم بالذكر؛ لأنه المقصود بالأكل.
والحكمة في تحريم لحم الخنزير (١): الضرر والاستقذار؛ لملازمته للقاذورات ورغبته فيها، أما ضرره.. فقد أثبته الطب الحديث؛ إذ أثبت أنه له ضررًا يأتي من أكله القاذورات، فإن أكله يولد الديدان الشريطية، كالدودة الوحيدة، ودودة أخرى تسمى الشعرة الحلزونية، وهي تنشأ من أكله الفيران الميتة، كما أثبت أن لحمه أعسر اللحوم هضمًا؛ لكثرة الشحم في أليافه العضلية، وأن المواد الدهنية التي فيه تمنع وصول عصير المعدة إلى الطعام، فيعسر هضم المواد الزلالية، وتتعب معدة آكله، ويشعر بثقل في بطنه واضطراب في قلبه، فإن ذرعه القيء، فقذف هذه المواد الخبيثة.. خف ضرره، وإلا تهيجت المعدة وأصيب بالإسهال، ولولا أن العادة قد جرت بتناول السموم أكلًا وشربًا وتدخينًا، ولولا ما يعالجون به لحم الخنزير لتخفيف ضرره.. لما أمكن الناس أن يأكلوه، ولا سيما أهل البلاد الحارة. قال أهل العلم: الغذاء يصير جزءًا من جوهر المغتذي، فلا بدَّ أن يحصل للمغتذي أخلاق وصفات من جنس ما كان حاصلًا في الغذاء، والخنزير مطبوع على حرص عظيم، ورغبة شديدة في المشتهيات، فحرم أكله على الإنسان؛ لئلا يتكيف بتلك الكيفية، ولذلك إن الفرنج لما واظبوا على أكل لحم الخنزير.. أورثهم الحرص العظيم والرغبة الشديدة في المشتهيات