وأورثهم عدم المغيرة، فإنَّ الخنزير يرى الذكر من الخنازير ينزو على الأنثى التي هي له ولا يتعرض له؛ لعدم المغيرة. وأما الشاة.. فإنها حيوان في غاية السلامة، فكأنها ذات عارية عن جميع الأخلاق، فلذلك لا يحصل للإنسان - بسبب أكل لحمها - كيفية أجنبية عن أحوال الإنسان.
والرابع: ما ذكره بقوله: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾؛ أي: وحرم (١) عليكم ما ذكر على ذبحه غير اسم الله تعالى، وذلك أن العرب في الجاهلية كانوا يذكرون أسماء أصنامهم عند الذبح، فحرم الله ذلك بهذه الآية، بقوله: ﴿وَلَا تَأكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾، والمعنى: ﴿وَمَا أُهِلَّ﴾؛ أي: رفع الصوت ﴿لِغَيْرِ اللَّهِ﴾؛ أي: بغير اسم الله ﴿بِهِ﴾؛ أي: عند ذبحه، فاللّام بمعنى الباء، والباء بمعنى عند، والإهلال: رفع الصوت، يقال: أهل فلان بالحج.. إذا رفع صوته بالتلبية له: "لبيك اللهم لبيك"، واستهل الصبي إذا صرخ عند الولادة، والمراد به: ما ذبح على ذكر غير الله تعالى من المخلوقات التي يعظمها الناس تعظيمًا دينيًّا، ويتقربون إليها بالذبائح، وكانوا يذبحون لأصنامهم فيرفعون أصواتهم بقولهم: باسم اللات، أو باسم العزى، وحكمة التحريم في هذا: أنه من عبادة غير الله، فالأكل منه مشاركة لأهله ومشايعة لهم عليه، وهو مما يجب إنكاره لا إقراره.
ويدخل في ذلك: ما ذكر عند ذبحه اسم نبي، أو ولي كما يفعل بعض أهل الكتاب وجهلة المسلمين الذين اتبعوا من قبلهم، وساروا على نهجهم باعًا فباعًا، وذراعًا فذراعًا.
والخامس: ما ذكره بقوله: ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾؛ أي: التي (٢) ماتت بانعصار الحلق وانحباس النفس فيها، فالمنخنقة على وجوه: منها: أن أهل الجاهلية كانوا يخنقون الشاة، فإذا ماتت أكلوها، ومنها: ما يخنق بحبل الصائد، ومنها: ما يدخل رأسها بين عودين من شجرة فتختنق، فتموت.
(٢) المراح.