وقد روى ابن جرير في تفسيرها أقوالًا (١): فعن السدي: أنها التي تدخل رأسها بين شعبتين من شجرة، فتختنق فتموت، وعن ابن عباس والضحاك في التي تختنق فتموت، وفي رواية عن الضحاك: هي الشاة توثق فيقتلها خناقها، ثم قال: وأول هذه الأقوال بالصواب قول من قال: هي التي تختنق، إما في وثاقها، أو بإدخال رأسها في الموضع الذي لا تقدر على التخلص منه، فتختنق حتى تموت.
وهي بهذا المعنى من قبيل ما مات حتف أنفه، من حيث إنه لم يمت بتذكية الإنسان له لأجل أكله، فهي داخلة في الميتة، وإنما خصها بالذكر؛ لأن بعض العرب في الجاهلية يأكلونها، ولئلا يشتبه الأمر فيها على بعض الناس، بأن لموتها سببًا معروفًا، والعبرة في الشرع بالتذكية التي تكون بقصد الإنسان، لأجل الأكل حتى يكون واثقًا من صحة البهيمة التي يريد التغذي بها.
والسادس منها: ما ذكره بقوله: ﴿وَالْمَوْقُوذَةُ﴾؛ أي: وحرم عليكم أكل الموقوذة - من الوقذ - وهي شدة الضرب، ويقال: شاة وقيذ وموقوذة، والموقوذة هنا: هي المضروبة بخشبة، أو عصا، أو حجر، أو بكل ما لا حد له، حتى تموت بلا ذكاة، وكانوا يأكلونها في الجاهلية.
والوقذ يحرم في الإسلام (٢)؛ لأنه تعذيب للحيوان، قال - ﷺ -: "إن الله كتب الإحسان في كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" رواه مسلم وأصحاب السنن.
ولما كان الوقذ محرمًا حرم ما قتل به، وهي تدخل في عموم الميتة أيضًا على الوجه الذي ذكرنا؛ فإنها لم تذك تذكية شرعية، ويدخل في الموقوذة: ما رمي بالبندق - وهو نحو كرة من الطين تجفف ويرمى بها بعد يبسها - لما رُوي (أن رسول الله - ﷺ - نهى عن الخذف - الرمي بالحصى - والخذف لكل يابس غير محدد، سواء رمى باليد، أو بالمخذفة، أو بالمقلاع. وقال: "إنه يفقأ العين ولا ينكأ العدو، ولا يحرز صيدًا" ففي هذا الحديث نص على العلة، وهو أنه تعذيب
(٢) المراغي.