وكان العرب في الجاهلية يأكلون بعض فرائس السباع، ولكنّه مما تأنفه أكثر الطباع، وأكثر الناس يعد أكله ذلة ومهانة، وإن كانوا لا يخشون منه ضررًا. والسبع: اسم يقع على كل حيوان له ناب ويعدو على الناس والدواب فيفترس بنابه؛ كالأسد، والذئب، والنمر، والفهد، ونحوها.
وقرأ الحسن، وأبو حيوة، والفياض، وطلحة بن سليمان (١): ﴿السبع﴾ بسكون الباء، ورويت عن أبي بكر عن عاصم في غير المشهور، ورويت عن أبي عمرو، وقرأ عبد الله: (وأكيلة السبع) وقرأ ابن عباس أيضًا: ﴿وأكيل السبع﴾ وهما بمعنى مأكول السبع، وقال ابن حيان: وذكر هذه المحرمات.. هو تفصيل لما أجمل في عموم قوله: (٤) ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ وبهذا صار المستثنى والمستثنى منه معلومين.
﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾؛ أي: إلا ما أدركتموه من هذه الخمسة الأخيرة - التي أولها المنخنقة - وفيه بقية حياة ويضطرب اضطراب المذبوح، فذكيتموه وأمتموه إماتة شرعية لأجل أكله، وهو استثناء من جميع ما تقدم ذكره من المحرمات سوى ما لا يقبل التذكية، من الميتة، والدم ولحم الخنزير، وما أكل السبع، وذلك هو: ما أهل لغير الله به، والمنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة.
وخلاصة المعنى: ولكن لا يحرم عليكم ما ذكيتموه بفعلكم مما يقبل التذكية، ويكفي في صحة إدراك ذكاة ما ذكر أن يكون فيه رمق من الحياة، بأن يطرف بعينه، أو يضرب بذنبه، وقد قال علي - رضي الله عنه -: إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردية والنطيحة وهي تحرك يدًا أو رجلًا.. فكلها. وإن لم يكن فيه حياة مستقرة.. فلا يحل بتذكيته؛ لأن موته حينئذ يحال على السبب المتقدم على التذكية من الخنق، وأكل السبع وغيرهما.
والعاشر منها: ما ذكره بقوله: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾؛ أي: وحرم عليكم أكل ما ذبح لأجل تعظيم النصب، فـ ﴿على﴾ بمعنى اللام التعليلية، كما قاله

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon