عرفة من حجة الوداع من السنة العاشرة للهجرة، وكان يوم جمعة، وهو اليوم الذي نزلت فيه هذه الآية المبينة لما ذكر من الأحكام التي أبطل بها الإسلام بقايا مهانة الجاهلية وخبائثها وأوهامها، والمبشرة بظهور المسلمين على المشركين ظهورًا تامًّا لا مطمع لهم في زواله، ولا حاجة معه إلى شيء من مداراتهم، أو الخوف من عاقبة أمرهم؛ أي: هذا اليوم انقطع رجاء كفار مكة من إبطال أمر دينكم، ورجوعكم إلى دينهم عبادة الأوثان ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ﴾؛ أي: فلا تخافوا المشركين في اتباع محمد - ﷺ - ومخالفتكم إياهم في الشرائع والأديان؛ فإني أنعمت عليكم بالدولة القاهرة، والقوة الظاهرة، وصاروا مقهورين لكم، ذليلين عندكم. ﴿وَاخْشَوْنِ﴾ في عبادة الأوثان، وتكذيب محمد - ﷺ -؛ أي: أخلصوا الخشيه لي وحدي في ترك اتباع محمد - ﷺ - ودينه. وإجمال المعنى: اليوم انقطع رجاؤهم من إبطال دينكم ورجوعكم عنه، لما شاهدوا من فضل الله عليكم؛ إذ وفى بوعده، وأظهره على الدين كله، فإذًا لا ينبغي لكم خشية غيري.
وقرأ أبو جعفر (١): ﴿ييس﴾ من غير همز، ورويت عن أبي عمرو ﴿واخشون﴾ (٢) بسقوط الياء وصلًا ووقفًا، بخلاف ﴿واخشوني﴾ السابقة في البقرة، فإنها بثبوت الياء وصلًا ووقفًا اتفاقًا، وبخلاف الآتية في هذه السورة، فإنه يجوز في يائها الثبوت والحذف على الخلاف اهـ شيخنا.
﴿الْيَوْمَ﴾؛ أي: في هذا اليوم الحاضر، وهو يوم عرفة ﴿أَكْمَلْتُ لَكُمْ﴾ أيها المؤمنون ﴿دِينَكُمْ﴾ الذي هو دين الإسلام بالنصر والإظهار على الأديان كلها، والحكم ببقائه إلى يوم القيامة، أو أكملت لكم دينكم بالفرائض والسنن والحدود، والأحكام، والحلال والحرام، ولم ينزل بعد هذه الآية حلال ولا حرام، ولا شيء من الأحكام، فلا ينافي نزول آية موعظة بعدها، كقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيْهِ إِلَى اللهِ﴾ الآية. ﴿وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيْنًا﴾؛ أي: اخترته لكم من بين الأديان، وآذنتكم بأنه هو الدين المرضي عند الله تعالى لا غير {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ

(١) البحر المحيط.
(٢) الفتوحات.


الصفحة التالية
Icon