الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}. وفي الآية (١) بشارات ثلاث، فسرها السلف بما سنذكره بعد، رُوي عن ابن عباس أنه قال: لما كان النبي - ﷺ - واقفًا بعرفات.. نزل عليه جبريل وهو رافع يده والمسلمون يدعون الله ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾؛ أي: حلالكم وحرامكم، فلا ينزل بعده حلال ولا حرام، ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾؛ أي: منتي فلم يحج معكم مشرك ﴿وَرَضِيْتُ﴾؛ أي: اخترت ﴿لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ وقد مكث رسول الله - ﷺ - بعد نزول هذه الآية واحدًا وثمانين يومًا، ثم قبضه الله إليه. وقال صاحب "الكشاف" (٢): ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ كفيتكم أمر عدوكم، وجعلت اليد العليا لكم، كما تقول الملوك: اليوم كمل لنا الملك، وكمل لنا ما نريد، إذا كفوا من ينازعهم، ووصلوا إلى أغراضهم ومنافعهم ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين، وهدم منار الجاهلية وإبطال مناسكها، وبأن لم يحج معكم مشرك، ولم يطف بالبيت عريان ﴿وَرَضِيْتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ يعني: اخترته لكم من بين الأديان، وآذنتكم أنه هو الدين المرضي عندي.
وعن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين! آية في كتابكم تقرؤنها، لو علينا نزلت معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا! قال فأي آية؟ قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله - ﷺ - بعرفات، في يوم الجمعة، أشار عمر إلى ذلك اليوم يوم عيد لنا. متفق عليه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان في ذلك اليوم خمسة أعياد: يوم جمعة، ويوم عرفة، وعيد لليهود، وعيد للنصارى، وعيد للمجوس، لم تجتمع أعياد لأهل الملل في يوم واحد قبله ولا بعده.
﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾؛ أي: ألجىء واحتاج حاجة شديدة إلى تناول وأكل شيء
(٢) الكشاف.