من هذه المحرمات السابقة من الميتة وما بعدها ﴿فِي مَخْمَصَةٍ﴾؛ أي: بسبب مجاعة يُخاف معها الموت لو ترك الأكل منها فأكل منها وهو لا يجد غيرها حالة كونه ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ﴾؛ أي: غير متعمد ﴿لِإِثْمٍ﴾ بأن يأكلها فوق الشبع، كما قاله أهل العراق، أو بأن يكون عاصيًا بسفره، كما قاله أهل الحجاز ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ لمن أكل شيئًا من تلك المحرمات عندما اضطر إليه ﴿رَحِيمٌ﴾ بعباده، حيث أحل لهم ذلك المحرم عند احتياجهم إلى أكله.
وفي "الفتوحات": هذه الآية من تمام ما تقدَّم ذكره في المطاعم التي حرمها الله تعالى، ومتصلة بها، والمعنى: أن المحرمات وإنْ كانت محرمة إلا أنَّها قد تحل في حالة الاضطرار إليها، ومن قوله تعالى: ﴿ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾ إلى هنا.. اعتراض وقع بين الكلامين، والغرض تأكيد ما تقدم ذكره في معنى التحريم؛ لأن تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل، والنعمة الكاملة، والإسلام الذي هو المرضي عند الله تعالى، ومعنى الآية: فمن اضطر إلى أكل شيء مما ذكر، فأكل في مجاعة لا يجد فيها غيره، وهو غير مائل إليه لذاته، ولا جائر فيه، متجاوز قدر الضرورة.. فإنَّ الله غفور لمثله، لا يؤاخذه عليه، وهو رحيم به يرحمه ويحسن إليه.
وقرأ ابن محيصن: (فمن اطر) بإدغام الضاد في الطاء. وقرأ الجمهور ﴿مُتَجَانِفٍ﴾ بألف من تجانف - من باب: تفاعل -. وقرأ أبو عبد الرحمن، والنخعي، وابن وثاب شذوذًا: (متجنف) بدون ألف من تجنف - من باب: تفعل -.
الإعراب
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (١)﴾.
﴿يَا أَيُّهَا﴾: (يا): حرف نداء. (أي): منادى نكرة مقصودة. (ها): حرف تنبيه زائد. ﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿أي﴾، وجملة النداء مستأنفة. ﴿آمَنُوا﴾: فعل وفاعل، والجمة صلة الموصول. ﴿أَوْفُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب النداء،


الصفحة التالية
Icon