والنطائح، والدم المسفوح، وكذلك الخنزير يعافه من يعرف ضرره وانهماكه في أكل القاذورات.
والخلاصة: أحل لكم أيها المكلفون ما يستطاب أكله ويشتهى دون ما يخبث أو يعاقب ﴿و﴾ أحل لكم أيضًا ﴿ما علمتم من الجوارح﴾؛ أي: صيد ما علمتموه من الكواسب، وسُمِّيت جوارح؛ لأنها تجرح الصيد؛ أي: من الحيوان الذي يكسب لكم بالاصطياد من سباع البهائم والطير؛ كالكلب، والباز، حال كونكم ﴿مُكَلِّبِينَ﴾؛ أي: معلّمين الجوارح كيفية الاصطياد، جمع مكلب، والمكلب: معلم الكلاب لكيفية الاصطياد، ويقرأ ﴿مكلبين﴾ - بالتشديد والتخفيف - يقال: كلبت الكلب وأكلبته فتكالب، أي: علمته فتعلم الاصطياد، ذكره أبو البقاء، وحالة كونكم ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ﴾؛ أي: تعلمون تلك الجوارح الاصطياد ﴿مِمَّا عَلَّمَكُمُ﴾ من طرق التعليم، ومن الحيل في الاصطياد، والجملة الفعلية حال ثانية من ضمير علمتم، والمقصود من التكرار: المبالغة في اشتراط التعليم، وأن يكون من يعلم الجوارح نحريرًا في علمه، موصوفًا بالتأديب.
قال أبو حيان (١): وأقصى غاية التعليم: أن يشلى فيستشلى، ويدعى فيجيب، ويزجر بعد الظفر فينزجر، ويمتنع من أن يأكل من الصيد. وقوله: ﴿مُكَلِّبِينَ﴾؛ أي: معلمين، حال مؤكدة لعلمتم، وفائدة هذه الحال - وإن كانت مؤكدة فكان يستغنى عنها - أن يكون المعلم مؤتمرًا بالتعليم، حاذقًا فيه، موصوفًا به، واشتقت هذه الحال من الكلب، وإن كانت جاءت غايةً في الجوارح على سبيل التغليب؛ لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب، فاشتقت من لفظه؛ لكثرة ذلك في جنسه.
وقرأ ابن عباس وابن الحنفية (٢): ﴿وما عُلِّمتم﴾ مبنيًّا للمفعول، أي: من أمر الجوارح والصيد بها، وقرأ أيضًا: ﴿مُكْلِبين﴾ من أكلب. وفعل وأفعل قد يشتركان، وظاهر قوله: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ﴾ حصول التعليم من غير اعتبار عدد، وكان

(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon